لقد حوّل جيش الأسد، والمليشيات الإيرانية المتعاونة معه، المدن والمناطق القديمة في سوريا إلى دمار وركام، تفوح منه دماء الأبرياء الزكية، بعد أن كانت آهلة بسكانها من الشعب السوري الشقيق.

أمست هذه المناطق مكاناً آمناً للكلاب والقطط الضالة والجماعات الإرهابية، بعد أن لقي نحو 300000 سوري مصرعهم، فيما وصل عدد النازحين إلى 11 مليوناً، وأكثر من 220 ألف معتقل في سجون القمع والتعذيب المتمرس في كيفية إبادة إنسانية الإنسان.

إن بشار الأسد منذ أن أوعز لجيشه بقصف شعبه، بدلاً من الإصغاء والاستماع إلى مطالبهم الشعبية بالتنحي عن السلطة، ويترك الخيار للشعب ليقرر مصيره.

كان بإمكان الأسد أن يتصرف بمنطق وحكمة ويتعقل، في وقت كان لا يوجد فيه داعش ولا إرهاب، وكان بإمكانه أن يسجل له التاريخ أنه رجل بطل صاحب إرادة وقرار، لبى نداء شعبه وسلم زمام أمور دولته لرجاله وللجيش، وفي من يثق بهم كما فعل غيره.

لكنه لم ينصت للعقل، ولم يستمع لمطالب الشعب ويحترم إرادته، بل اتجه لأساليب القمع والتنكيل والتصفية، التي تتقنها وتتفنن بها الميلشيات الأسدية، وتمرست بها منذ خمسة عقود مضت..

وكأن الحكم في سوريا حكم «وراثي»، وليس حكماً بنظام جمهوري!؟، وذلك كله من أجل تمسكه بالكرسي على حساب المصلحة الوطنية، الأسد وإيران ومليشياتها والفيتو الروسي، هم المسؤول الأول عن كل ما يحدث للعالم أجمع من إرهاب، وإبادة إنسانية وتعذيب وتنكيل في كل البلدان والمناطق التي يبسط فيها النظام الإيراني هيمنته، سواء في سوريا، اليمن، العراق، لبنان، والأهواز.

الأسد مدرك تماماً أنه سيفلت من العقاب الدولي، لأن مجلس الأمن الدولي لا يستطيع إحالته إلى لاهاي، وذلك بفضل حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به روسيا، وتسخّر هذه الأخيرة كافة إمكاناتها، ضاربة بذلك عرض الحائط، وغير مبالية بالقوانين والمؤسسات الدولية التي أقيمت من أجل محاسبة القادة على ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية..

كما أن سوريا ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، ما يساعد الأسد والميلشيات الإيرانية ومن استأجرتهم معها بالوكالة ليحاربوا السوريين والمعارضة والجيش الحر، من أجل فرض وجودها وهيمنتها على الأراضي السورية، ولتحقيق طموحاتها التوسعية لامتداد نفوذها في المنطقة العربية..

ولتمكين حزب الله والأسد ليقضي على ما تبقى من شعبه، الذي يراه بنظره، باعتباره ليس من جلدته، بل إنهم مجرد جماعات إرهابية خرجت عن طوعه، كما أدلى شخصياً لبعض وكالات الأنباء العالمية الغربية!

الأسد بجرائمه تلك، يعد أكبر مجرم حرب في الزمن المعاصر، هو وحسن نصر الله، وقد بات الأسد ينعم بالأمن والأمان في الأحضان الروسية، التي مكنته أن ينام مطمئناً، الأسد وحسن نصر الله زعيم ميلشيا حزب الله، يستغلون حصانة الفيتو الروسي، وهم على يقين مؤكد تماماً أنه سيكون سداً منيعاً يحميهم من غضب المجتمع الدولي تجاه أفعالهم وجرائمهم التي يمارسونها بحق الشعب السوري الأعزل.

إن ما يحدث في مضايا السورية، تعدى الكوارث والنكبات الإنسانية، من موت بطيء محقق يعانيه سكان مضايا، والتي تحول سكانها لأشباح، جراء الموت القهري المحقق، الذي ينخل أجسادهم النحيلة وحولهم إلى أشباح، يلاقيهم أجلهم المحتوم وهم جالسين مكتوفي الأيدي مسلّمين أمرهم لخالقهم، مشاهد سكان مضايا لا يصدقها عقل، كأنها من وحي الخيال، وليس في عالمنا الذي نعيشه في القرن الواحد والعشرون.

إن ما نشاهده من صورة حية لأهالي مضايا السورية، ما هو إلا الواقع المرير، الذي فرضه حصار رئيس طاغية وأعوانه وزمرته من ميلشيات ومرتزقة نصر الله.

لقد أدمت القلوب، الصور التي بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلتها وكالات الأنباء المحلية والعالمية، والتي تظهر قيام أحد أهالي مضايا بذبح قطة لأكلها، كما نشرت صور لأطفال المدينة يأخذون أوراق الشجر طعاماً لهم بعد طبخه بالماء، وذلك نتيجة النقص الحاد بالمواد الغذائية، من أثر الحصار الذي يمارسه جيش النظام، مدعوماً بمليشيات حزب الله اللبناني على المدينة منذ حوالي 7 أشهر.

وتقدر المعلومات أن حوالي 40 ألف إنسان في المدينة يعانون نقصاً حاداً بالمواد الغذائية والطبية، مع استمرار القصف المكثف والمتواصل المفروض عليها.

من جهتها، وثقت منظمات حقوقية، عدد القتلى منذ بدء الحصار بأكثر من 50 شخصاً، من بينهم أطفال حديثي الولادة جراء الجوع، وآخرون بانفجار لغم أرضي أو برصاص قناصة في محاولتهم فك الحصار عن المدينة المفروض عليها منذ يوليو من العام السابق، بحسب ما نشرته شبكة سوريا مباشر.

إن الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة من عام 2007، أكثر رحمة للفلسطينيين، مقارنة بحصار الأسد ونصر الله، حصار قطاع غزة الممنوع فيه فقط بعض الأشياء، أما المواد الغذائية فمتوفرة بكافة أصنافها، بينما الحصار الذي فرضه الأسد والمليشيات الإيرانية ومرتزقتها بالوكالة، وبرعاية وحماية روسية، فاق كل ما يتصوره العقل الإنساني لعذابات البشر، ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرون.