من الواضح أن الجماد والحيوان وغيرهما من المواد، تحتاج إلى إجازة سنوية لترتاح مما يسطره حامل القلم من آراء وأفكار ورؤى، فالقلم مجبر على الكتابة طالما به قطرة حبر، والورقة لا تستطيع مقاومة ما يخط عليها، هذه هي الحياة، فهل يحن الورق لأمه الشجرة، والقلم إلى مكوناته الأساسية، سواء الذهب، أو البلاستيك، أو الخشب؟
إن عجلة الأحداث اليومية في تزايد مستمر، والعالم يعج بالأحداث، وكل حدث من تلك الأحداث يتابعه العديد من البشر عبر مختلف وسائل المتابعة المرئية والمسموعة والمقروءة، ولكن بعض المتناقضات لا تتابع بعضها البعض..
فالجوع لا يمكن أن يتابع أخباره من قد امتلأت معدته بالطعام، والذي يشرب الماء القراح لا يهمهم ذلك العطشان في الصحراء الجافة، سواءً هلك أو جاء من ينقذه بقطرات من الماء تعيد له الحياة من جديد.
اعتاد العديد من الكتاب في سرد أهم الأحداث للعام الماضي، وكأنهم كانوا يدركون ما قد يحدث ويملكون القدرة على التنبؤ بما هو آت، والسؤال لماذا لم يؤدِ هؤلاء دورهم في توعية الناس بتلك الكوارث سواء الطبيعية أو التي تقع بأيدي بشرية تتعمد إيذاء الآخرين من أُناس بلا بصر ولا بصيرة، دون أن يرجف لهم جفن.
الاهتمامات أيضاً مختلفة سواءً بالنسبة للذكور أو الإناث، وحتى الأطفال في مختلف بقاع المعمورة.
ويمكن القول إن الاهتمام والمتابعة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة فرق، وهم بذلك يذكروننا بالتقسيم السابق.
هذا التقسيم هو، العالم المتقدم والنامي والمتخلف حسب قول سمير أمين، وحول تساؤل بعض الأصدقاء، ما هي حكايتك في عدم الكتابة هذه الفترة، هل هو بيات صيفي واستمر إلى الشتوي، وأين الربيع عنه حينما تتفتح البراعم عن الأزهار والورود وغيرها من النباتات الجميلة. هنا أود أن أقول بأنني كنت أدافع عن القلم وأحافظ على الورق الذي لا يشتكي ولا يبكي بل إنه صابر على ما يخط عليه من أفكار حتى لو كان لا يتفق معها.
إن الكُتّاب بشكل عام يبحثون عن لمحة أو رؤية أو فكرة جديدة لم يتناولها غيرهم، والهدف من ذلك التميز وجذب القراء، فقد ازدادت الصحف والمجلات وغيرها من وسائل التواصل القرائي، فما بالك بأجهزة التلفزيون والتي لم تعد للرقابة سلطة عليها، وبذلك زادت حرية الإنسان في الاطلاع والقراءة والرؤية.
البعض كان يصور الكتابة بأنها نزيف إبداعي، وهذا الوصف ربما ينطبق على الشعر والأدب البليغ، وليس على الكتابة العامة في المقالات السياسية وغيرها، لكن أيّاً كان شكل الكتابة أو مجالها، فإن هناك شرف الكلمة، ومن يكتب عليه أن يلتزم بشرف الكلمة..
وهذا يعني أن يكتب الإنسان ما هو مقتنع به، ويعرض الرأي الآخر بصدق وبدون تزوير أو كمبالغة، وأن يكتب من أجل أهداف سامية في المجتمع، مثل التوعية والتنمية والبناء، ولا يكتب من أجل الهدم والتدمير والحث على الرذيلة وارتكاب المعاصي.
الكتابة شرف والتزام، والقلم الذي لا يلتزم بذلك، أو يشك في عدم التزامه، أفضل له السبات والتوقف عن الكتابة، ولو إلى حين.