تمثل الحضارة الغربية المعاصرة، نموذجاً متقدماً للتطور التاريخي لتراكم إنجازات البشرية، واستطاعت الدول الغربية تحقيق إنجازاتها الحضارية، بعد مسيرة طويلة دامية من المعاناة والنضال الاجتماعي والسياسي والحروب، ومن أهم ما ميزها، استغلالها لثروات الشعوب واستعمارها الطويل لقارات عديدة.

إلا أنه لا يمكننا غض الطرف عن أن هذه الإنجازات التي تحققت، ما كان لها أن تتم، لولا اعتمادها على إنجاز تراكم الحضارات السابقة، مثل الحضارات اليونانية والرومانية والإسلامية.

ما كان لها أن تنجز، لو لم تترسخ فيها مفاهيم الحرية والديمقراطية والمأسسة، وقيم احترام العمل والوقت، التي ساعدت هذه المجتمعات على تأسيس نظم سياسية جديدة، هزت دعائم سلطة الكنيسة والإقطاع، وأطلقت الحرية والعنان للفكر الإنساني ليبدع ويجرب ويبتكر، ومعها تدعمت فكرة الحرية الشخصية، وبرزت أفكار سياسية هامة، مثل فكرة العقد الاجتماعي، والفصل بين الدين والدولة، ونشوء القوميات، والفكر الاشتراكي.

تميز بدء عصر النهضة الأوروبية، بإحياء التراث اليوناني والروماني، مع ترجمات للتراث العربي، وخصوصاً في الأندلس وصقلية، وشهدت أوروبا بداية اختراعات هامة، قادت إلى ثورة اجتماعية واقتصادية ومعرفية، إذ أسهم اختراع الطباعة في التأثير في بنيان المجتمعات الغربية الثقافية والاجتماعية، من خلال القدرة على استنساخ الكتب بكميات كبيرة وسهولة غير معهودة في تاريخ البشرية، وقدرة على نشر المعرفة وتعميمها.

بحلول القرن العشرين، شهد العالم إنجازات واختراعات علمية، لم تشهد البشرية لها مثيلاً، شملت مجال الصحة، حيث تم اكتشاف العديد من الأمراض وأمصالها وعلاجها، وفي مجال التعليم، تم التوسع في التعليم الأساسي والجامعي والتخصصات الدقيقة، وفي مجال المعلومات، تم اختراع الكمبيوتر، وتم تشبيك العالم معلوماتياً بشبكة الإنترنت، وتم توصيله فنياً وإخبارياً وثقافياً عبر الفضائيات التي تستخدم الأقمار الصناعية، وفي مجال الاتصالات، تم اختراع التلكس والفاكس والهاتف الجوال... إلخ.

يعيش العرب بسبب هذه المخترعات والمنجزات، كغيرهم من شعوب الأرض، متنعمين بوسائل تسهل حياتهم، وتجعلها رغدة، ولا يمكننا إزاء هذه المنجزات، أن نقف موقف التبعية كمستهلكين لها فقط، ولا بد أن يكون لنا دور فاعل في الإبداع والاختراع، وإلا سنظل أمة مستنزفة لمواردها، وتعيش مستهلكة لما يصنعه الآخرون، ونبقى على هامش الأمم المتقدمة.

ولا شك أن الإمارات تسير في خطوات حثيثة للحاق بركب التقدم، ويبدو لنا هذا الأمر واضحاً من خلال بعض الأمثلة، إذ قبل ثلاثين عاماً، كان هناك جامعة حكومية واحدة وجامعة خاصة واحدة في الدولة، والآن، أصبح عدد الجامعات والكليات المعتمدة من قبل وزارة التعليم العالي، نحو ثمانين مؤسسة أكاديمية.

تم في دبي إنشاء مؤسسة «الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة»، إياست، من قِبل حكومة دبي في عام 2006، لتكون مركزاً متميزاً لعلوم الفضاء والابتكار التكنولوجي، والبحث العلمي في مجال الفضاء، وتصنيع الأقمار الصناعية في الدولة.

في يوليو 2014، أعلن سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية، وهدفها بناء قدرات علمية ومعرفية إماراتية في علوم استكشاف الفضاء الخارجي، وبدأ العمل على مشروع لإرسال أول مسبار عربي وإسلامي برحلة استكشافية علمية لكوكب المريخ.

في عام 2015، أصدر سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قراراً بإنشاء مركز محمد بن راشد للفضاء، وضم مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة، إياست، إليه، ليكرس المركز جهوده في الأبحاث والمشاريع والدراسات المتعلقة بعلوم الفضاء، بما يدعم توجهات الدولة لتدريب كفاءات علمية وطنية، وسيعمل المركز على الإعداد والتنفيذ والإشراف على كافة مراحل إرسال مسبار الإمارات لاستكشاف كوكب المريخ.

هكذا تقدم الإمارات نموذجاً عربياً للخروج من مأزق التبعية، للحاق بدرب الدول المتقدمة.

من خلال إيجاد بيئة مشجعة على البحث والابتكار، والعمل على الاستفادة من تقنيات العلوم وتطبيقاتها، وذلك بوجود قيادة ذات رؤية مستقبلية، قادرة على توفير خطط قادرة على بناء إنسان عربي كفؤ، قادر على التعامل مع التقنية والتصنيع، للدخول إلى عالم الاختراع والتصنيع، الذي اقتحمته العديد من الدول الآسيوية، التي كان وضعنا في الستينيات أفضل منها بمراحل عديدة.