تواجه إسرائيل نظاماً إقليمياً مضطرباً ومتغيراً منذ ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي وأهم معالم هذا النظام يتمثل في فقدان اليقين الذي ارتبط بالأوضاع السابقة على الثورات وانفجار العنف والصراعات الطائفية والدينية وظهور الموجة الإرهابية الحالية، وكذلك تفكك الدولة الوطنية العربية وتآكل فاعليتها وآلياتها وأدواتها في تحقيق السلام الاجتماعي.

كما هي الحال في ليبيا والعراق وسوريا واليمن وظهور فاعلين إقليميين جدد أقل من الدولة ممثلين في الجماعات الإرهابية المتطرفة، وفضلاً عن ذلك التنافس بين المشروع التركي والمشروع الإيراني والمشروع الإسرائيلي للنفوذ والتمدد في المنطقة.

إسرائيل تستثمر هذه المتغيرات في إطار منظور واضح للقضية الفلسطينية، ألا وهو أن إسرائيل ليست السبب في عدم استقرار الإقليم والاضطرابات التي تموج به وأن القضية الفلسطينية ليست سبباً في تأزم الإقليم بل إن لهذا التأزم أسباباً أخرى تكمن في طبيعة بلدان إقليم الشرق الأوسط، طبيعة دوله الاستبدادية والطائفية والعرقية وعجز هذه الدول عن تطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وعلى النقيض من هذا فإن إسرائيل ترى نفسها الدولة الوحيدة المستقرة والديمقراطية في المنطقة.

تخلص إسرائيل في قراءة أجهزتها واستخباراتها للوضع الناشئ في المنطقة إلى استبعاد نشوب حرب تقليدية كبرى بينها وبين جيرانها خاصة مصر والأردن اللذين يرتبطان بمعاهدة سلام مع إسرائيل، كما أن الدولة العراقية وجيشها في حالة تفكك وانهيار منذ الغزو والاحتلال الأميركي للعراق وسوريا دخلت في أزمة عميقة لا يعرف كيف تنتهي.

كما أن حزب الله قد دخل في معركة طويلة لمساندة نظام الأسد، باختصار يستند هذا التقويم إلى الضعف العام الذي يميز البيئة العربية المحيطة بإسرائيل واتجاه العديد من حلقاتها للتفكك والانهيار والاقتتال الداخلي.

تتأرجح الرؤية الإسرائيلية على نحو خاص إزاء سوريا بين اتجاهين الأول يرى أصحابه أن خيار بقاء الأسد هو الأفضل لتجنب الفوضي وتفكيك سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية يسيطر عليها المتطرفون على الحكم وتفضل إسرائيل التعامل مع الأسد ضعيفاً ولكنه يسيطر على القرار السوري على التعامل مع المتطرفين والإرهابيين.

أما الاتجاه الثاني فيرى على العكس من ذلك أن بقاء الأسد يعني الإبقاء على التحالف بين سوريا وحزب الله وإيران وأن ذلك يمثل انتصاراً لهذا التحالف الثلاثي ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن هزيمة الأسد هي هزيمة للسياسة والطموحات الإقليمية لإيران ومقدمة لتفكيك حزب الله اللبناني.

أما الرؤية الإسرائيلية لحزب الله فإنها تستند على القواعد الجديدة للاشتباك التي تحكم العلاقة بين الطرفين، وهي قواعد غير مكتوبة ولكنها مفهومة، ولا تتوافر النية والاستعداد لدى كل من إسرائيل وحزب الله على مواجهة شاملة كما حدث في عام 2006.

ويستند هذا التقدير الإسرائيلي على أن حزب الله مشغول في الحرب الأهلية السورية وأنه يعاني من استنزاف طاقاته ويعاني من انكشاف داخلي في لبنان، حيث تراجع خطاب المقاومة بعد عام 2006 وأصبح الحزب طرفاً أصيلاً في اللعبة السياسية اللبنانية، كما أن ارتباط حزب الله بإيران وسوريا يضع قيداً على سلوكه لأن هذين الحليفين لا يريدان مواجهة شاملة مع إسرائيل في الوقت الراهن.

أما النظرة الإسرائيلية إزاء الفاعلين الجدد في الإقليم أي الجماعات الإرهابية والمتطرفة تتلخص في أن إسرائيل ترى المخاطر الناجمة عن هذه الجماعات محدودة للعديد من الأسباب أولها أن هذه الجماعات تعتنق نظرية مواجهة العدو القريب أي أنظمة الحكم والدول التي توجد بها وتبدو إسرائيل في إطار هذه النظرية كما لو كانت غائبة عن أجندة هذه الجماعات.

يبدو أن هذه الأسباب قد لا تكون كافية لتهميش إسرائيل لمخاطر هذه الجماعات الإرهابية، ونستطيع أن نؤكد أن طبيعة الرد الإسرائيلي على هذه الجماعات في حالة مهاجمتها هو العامل الحاسم في منع هذه الجماعات من التفكير في ضرب إسرائيل، رد الفعل الذي يستند إلى قوة الردع وعدم محدودية السقف الذي يمكن أن يذهب إليه رد الفعل الإسرائيلي وهو أمر تعرفه هذه الجماعات أكثر من غيرها.

تستفيد إسرائيل من هذه المتغيرات على طريقتها في إغفال الحقائق وطمس طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وإرجاع مشكلات المنطقة واضطراباتها إلى مكونات جينية في طبيعة شعوب ودول المنطقة وأن القضية الفلسطينية ليست من بين هذه المكونات.

وهذه النظرة الإسرائيلية تستهدف تزيين الاحتلال والاستيطان ودفع القضية الفلسطينية إلى أدنى مرتبة في الوعي العربي والعالمي والسبيل الوحيد لمواجهة ذلك من وجهة النظر العربية هو إحياء وبعث الاهتمام العربي الرسمي والشعبي بالقضية الفلسطينية ودعم انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس والمطالبة بتفعيل القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وإنهاء الانقسام وتفعيل المقاومة الفلسطينية باعتبارها طريق الوصول للحق الفلسطيني.