(١) 

أظن أن القصيدة الشهيرة (قل للمليحة بالخمار الأسود)، هي أول إعلان تجاري عرفته البشرية، فالحكاية تقول: إن أحد التجار كسدت بضاعته، وغالبيتها خمار أسود، وانقطع عنه الزبائن، فلجأ لصديقه الشاعر ليجد له حلاً في أزمته الاقتصادية.. فكان الحل:

قل للمليحة بالخمار الأسود / ماذا فعلتِ بناسك متعبد

وما هي إلا أيام قليلة، تنتشر القصيدة ويزدحم المحل بنساء المدينة.

والجمهور يُصدَّق ما يُقال له ويُطرح عليه: منذ إعلان «الخمار» الأسود إلى آخر إعلان تلفزيوني.

جاهز لاستهلاك أي شيء: من مشروب فواكه جديد أو شامبو يقضي على القشرة، إلى «فكرة» جديدة تقضي على رأسه. وواقع جديد يعتاد عليه بعد ما كان يرفضه.

الفن، هنا، يعمل لصالح الاقتصادي، ويخدم رأس المال. وهو جاهز للعمل لأي جهة أخرى!

(٢)

الخرافة تفعل نفس الأمر: العرب واليهود، والكثير من الشعوب، تصدق أن «الخرزة الزرقاء» تحمي الإنسان من الحسد!

لو بحثت في الأمر، ستجد أن تاجر حلي ومجوهرات ابتكر هذه الكذبة، وصدقها ملايين الحمقى، ليتخلص من بضاعته.

الخرافة، هنا، تعمل لصالح الاقتصادي وتخدم رأس المال.

(٣)

الخرافة تخترق التاريخ: نفس الكذبة تتوارثها الأجيال.

الخرافة تخترق الجغرافيا: هل تتذكرون ماكينة «سنجر»؟.. وكيف أنها تحتوي على «الزئبق الأحمر»!، بدأت الكذبة في الأردن، وصدقها المئات، وصلت الكذبة إلى السعودية، وامتلأت الأسواق بمكائن الخردة، وصلت الكذبة إلى قطر، وصارت تباع الماكينة الواحدة بخمسين ألفاً!

(٤)

في المجتمعات المتحضرة، يوجد شيء اسمه: أمراض نفسية.

في المجتمع الجاهل لا يوجد سوى: عين.. سحر.. حسد..

في المجتمع المتحضر يوجد: طبيب نفسي.

في المجتمع الجاهل يوجد: راقٍ شرعي.. مفسر أحلام.. والكثير من المشعوذين والمشعوذات!

(٥)

في المجتمع الجاهل المتخلف، تتم السيطرة على القطيع بسهولة.

القطيع يركض وراء «الكذبة»، لا يسأل من الذي ابتكرها، ولا يُربكه توقيت ظهورها وأسبابه، ولا يسأل: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟!

قلت سابقاً.. إن آفة الآفات، ومصنع الطغاة الأول، هو: الجهل.

لا توجد صفة أقبح من «الجهل»، لأنها بإمكانها أن تجر وراءها العديد من الصفات القبيحة: بإمكانك أن «تستعبد» الجاهل.. ورغم هذا يظن أنه حُر!، تريد أن تنزع قيوده.. يظن أنك تريد نزع ملابسه!، تريد أن تدله على الطريق، ينظر إليك بريبة، ظناً منه أنك ستضيّعه عن الدروب التي اعتاد عليها!