ما الذي نعنيه بالضبط حين نقول إننا «ندعم حق المرأة في تولي الوظائف المختلفة»؟ هل نعني أننا سندعم «أية امرأة» تتقدم لتلك الوظيفة؟ أم نعني أننا سنفحص سجل المتقدمين جميعا ونختار الأصلح بغض النظر عما إذا كان رجلاً أم امرأة، وماذا عن دعم المرأة للمرأة، هل لابد أن تدعم المرأة أية زميلة لها أم أن الأمر يختلف من حالة لأخرى، ولا توجد إجابة واحدة يقينية لأي من تلك الأسئلة.

البعض يرى أنه من المهم في بداية الطريق اختيار المرأة التي تتقدم للوظيفة حتى لو كانت أقل كفاءة بعض الشيء عن زملائها الرجال، لأن هناك غبنا تاريخيا وقع على المرأة لم يعطها أصلاً الفرصة المتساوية في التعليم والتدريب ومن ثم لابد من كسر الحلقة المفرغة من التمييز من مكان ما قد يتمثل في إعطائها الفرصة لإثبات ذاتها.

وقد يرى البعض، ومنهن نساء بالمناسبة أن ذلك يهين المرأة لأنه لا يختارها بسبب كفاءتها للوظيفة، وإنما فقط لكونها امرأة، تماما مثل التمييز ضدها وحجب بعض الوظائف عنها رغم كفاءتها لمجرد كونها امرأة.

مناسبة طرح ذلك السؤال القديم المتجدد هو الجدل الذي دار في الولايات المتحدة الأميركية بالذات خلال الأسابيع القليلة الماضية حول أهمية دعم النساء لهيلاري كلينتون لتولي الرئاسة، ففي بداية الشهر الجاري، عادت للأضواء مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وأول سيدة تتولى ذلك المنصب في تاريخ بلادها.

فهي أعلنت دعمها لهيلاري كلينتون، وأصدرت عبارات تحذير لكل النساء الأميركيات من أن مكتسبات المرأة الأميركية على المحك ويحتمل التراجع عنها إذا ما تولى الجمهوريون الرئاسة.

إلى هنا، كان الخبر عادياً لا يحمل جديداً، وعادة ما تعلن الشخصيات العامة والسياسيون في أميركا دعمهم لمرشح ما، كما أنه ليس جديدا أن يتم التحذير من تولي الحزب المنافس منصب الرئاسة، لكن مادلين أولبرايت ذهبت لما هو أبعد من ذلك بكثير، فهي قرّعت الأميركيات الشابات بالذات، بسبب دعم أغلبيتهن الساحقة لبرني ساندرز وليس هيلاري كلينتون، قائلة «الشابات عليهن تأييد هيلاري كلينتون.

فالقصة لم تنته بعد (تقصد قصة الحصول على كامل حقوق المرأة) وتذكروا أن هناك موضعا خاصا في جهنم للنساء اللائي لا يساعدن بعضهن البعض».

وفي الأسبوع نفسه كانت جلوريا ستاينم، إحدى رائدات الحركة النسوية الأميركية منذ ثمانينات القرن العشرين، قد هاجمت هي الأخرى الشابات اللائي يؤيدن ساندرز بدلاً من هيلاري كلينتون متهمة إياهن بأنهن يفعلن ذلك من أجل لفت انتباه الشباب، «فحين تكون صغيرة، تفكر أين الأولاد. والأولاد في حملة ساندرز». والحقيقة أن كلمات أولبرايت لم تفاجئني بينما فاجأتني كثيرا كلمات ستاينم.

فلا أخفي على القارئ العزيز أن الشيء الوحيد الذي بقي في ذاكرتي بخصوص سنوات أولبرايت في الخارجية الأميركية هو تصريحها الفج الذي اعتبرت فيه أن وفاة مئات الآلاف من الأطفال العراقيين بسبب العقوبات كان «مفيدا».

وأيا كان الموقف من نظام دموي كنظام صدام حسين، فإن من تعتبر موت أطفال أبرياء «مفيدا» لا يمكن أن تفاجئك بعد ذلك بأي عبارات تصدر عنها. لكن كلمات ستاينم فاجأتني لأن ما قالته عن بحث الشابات عن «الأولاد» لا يصدر عادة إلا عن الأكثر رجعية، غير أن اللافت هو أنه رغم اختلاف تعبيرات الاثنتين فإن القضية التي أثارها التصريحات هي «أن الشابات لا يعرن أهمية للتضامن بين النساء».

لكن ما يثلج الصدر كان ردود أفعال الشابات الأميركيات فما إن نطقت أولبرايت بتلك العبارة التي كانت قد ذكرتها بالمناسبة في سياقات كثيرة قبل ذلك، حتى ثارت قطاعات واسعة من النساء ضدها، والشيء نفسه جرى مع ستاينم، فالشابات لم تفقدن ثقتهن بالنفس ولا بمواقفهن السياسية، وإنما قمن بتلقين أولبرايت وستاينم درسا بليغا.

فقد أكدن بوضوح أنهن لسن على استعداد للتضامن مع هيلاري كلينتون ودعم حملتها للرئاسة لمجرد أنها امرأة ما دمن يختلفن جذريا مع مواقفها ورؤيتها في السياسة الداخلية والخارجية على السواء، ورغم أن هيلاري راحت تدافع عن أولبرايت في حواراتها التليفزيونية.

إلا أن أولبرايت اضطرت لكتابة مقال للنيويورك تايمز كان عنوانه «لحظة غير دبلوماسية» كان بمثابة اعتذار ضمني للمرأة الشابة في أميركا، أما ستاينم، فقدمت هي الأخرى اعتذارا على صفحتها على فيس بوك قائلة إنه «أسيء فهم ما قالته».

كل ذلك لا ينفي أن هيلاري كلينتون تتعرض، في هذه الحملة، كما في حملة 2008 للكثير من التقليل من شأنها لكونها امرأة، إلا أن دعم كلينتون فقط لأنها امرأة يحط، في تقديري المتواضع، من شأن المرأة، تماما مثلما يقوم البعض بإهانتها لمجرد كونها امرأة. الاثنان وجهان للعملة نفسها. أليس من حق المرأة أن تكون مختلفة عن الرجل وتختلف في الرأي عن غيرها وأن تحظى بالاحترام في الوقت ذاته؟!