كنا ـ ومازلنا ـ نأمل أن تكون المنطقة مقبلة على شيء من الهدوء والتعقل، بعد سنوات الفوضى والدمار التي يعاني الجميع من آثارها، لكن يبدو أن الطريق مازال طويلاً بعض الشيء، لكي نوقف المأساة ونستعيد الاستقرار ونبعد المخاطر.

كنا ـ ومازلنا ـ نرى إمكانيات الحل السياسي تتزايد في كل من اليمن وسوريا. لكن الدور الإيراني مازال ـ للأسف الشديد ـ يسعى لتعطيل هذا الحل، ويحاول ـ بكل الطرق ـ منع الوصول إلى المصالحة المطلوبة، ويحاول استغلال الموقف المتخاذل للرئيس الأميركي أوباما في توسيع نفوذه الذي يصفه وزير الدفاع الأميركي كارتر بأنه «نفوذ مشؤوم» دون أن تصل كلماته لرئيسه المعجب باتفاقه مع إيران والساعي للتحالف معها والرضا عن توسيع نفوذها «المشؤوم» في وطننا العربي (!!).. في الوقت نفسه الذي لا يعتبر فيه «داعش» خطراً على أميركا وإنما المتغيرات المناخية!

الرجل سعيد بأن تنشر إيران نفوذها وأن تتمدد عصابات الإرهاب الداعشي وغير الداعشي، لتغرق المنطقة العربية في الفوضى، وليتهدد أمن كل البلاد العربية ومعها أوروبا وروسيا وغيرها، معتقداً أن أميركا ستظل بعيدة عن آثار هذه الفوضى، وأن مصالحها ستظل في أمان ما دام الدواعش لم يصلوا إلى نيويورك، وما دام النفوذ الإيراني يكتفي ـ حتى الآن ـ برفع أعلامه في عواصم عربية وإثارة الفتن والحروب الأهلية في أنحاء المنطقة التي أرادتها أميركا منذ سنوات مرتعاً للفوضى «الخلاقة» أو للنفوذ «المشؤوم»!

وقد كنا نظن أن الرئيس الأميركي سوف يسمع أصوات الفزع الأوروبي من تحويل البحر المتوسط إلى موطن للإرهاب، لكن الرجل اكتفى بتوجيه اللوم لزعماء الاتحاد الأوروبي الذين تسببوا في مأساة ليبيا، دون أن يقدم أي بادرة على العمل لإنقاذ الموقف بعد أن أصبح الإرهاب يضرب في أفريقيا كلها، ويهدد دول شمال أفريقيا العربية.. من مصر إلى تونس.. إلى الجزائر التي نجت بالأمس من كارثة كان يعدها الإرهابيون أثناء احتفال البلاد بأحد أعيادها القومية. ولو سمع أوباما وحلفاؤه الغربيون الصوت العربي، وخاصة من مصر ودول الخليج، لما وصلت الأمور لهذا الحد، لكن أميركا قادتهم إلى أن يحصروا عملهم ضد داعش وفي العراق فقط، بينما تركوا باقي الجماعات الإرهابية، من الإخوان إلى بوكو حرام وغيرهما تمضي في جرائمها دون حساب، بل كان تحالفهم مع الإخوان وتسليمهم حكم أكبر البلاد العربية فضحاً لمخطط إغراق المنطقة في الفوضى ومحاولة تقسيمها بين إرهاب الإخوان والدواعش من ناحية.. والنفوذ «المشؤوم»! للتطرف الإيراني من ناحية أخرى.

ولو سمع أوباما والأوروبيون من البداية ما قيل لهم من ضرورة فرض الحل السياسي الذي يمنع الفوضى في ليبيا، ويمنح جيشها الوطني القدرة على ضرب عصابات الإرهاب، لكن الأمر قد اختلف، لكنهم بدلاً من ذلك منعوا السلاح عن الجيش الوطني، وتركوا عصابات الإرهاب تقتسم النفوذ وتدمر ما تبقى من البلاد، وتهدد دول الجوار وتتنافس في نشر العنف في أفريقيا وتصديره إلى أوروبا، بينما أوباما سعيد بأنه مازال بعيداً وآمناً حتى الآن!

والكارثة أننا كنا نتصور أن أميركا ستخرج من حالة الغفلة السياسية التي سببت الكوارث في منطقتنا مع نهاية عهد أوباما بعد شهور، لكن يبدو أن علينا أن نستعد لكل الاحتمالات بما فيها الأسوأ، فما يجري في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية يضعنا أمام واحدة من أسوأ الانتخابات التي شهدتها الولايات المتحدة منذ عهود، حيث الثقة في المؤسسات الحاكمة تنهار، والمرشحة هيلاري كلينتون تتقدم السباق في الحزب الديمقراطي، والأغلب أنها ستكون مرشحته في الانتخابات المقبلة، لكنها تفتقد لحماس الشباب وللبريق الذي كانت تتمتع به في البداية، وتخشى من ملفات قد تفتح عن أدائها كوزيرة سابقة للخارجية، أو عن علاقاتها بالمؤسسات الكبرى التي تمول حملتها الانتخابية.

على الجانب الآخر، تأتي المفاجأة من المرشح الملياردير دونالد ترامب الذي كان ينظر إليه قبل شهور بلا أي اهتمام، فإذا به يقلب المائدة على قيادات الحزب الجمهوري ويقود حملة موغلة في العنصرية والكراهية والبذاءة، ومع ذلك يحصد الأصوات ويتقدم باقي المرشحين الجمهوريين بمسافة كبيرة، ورغم أن كل التقديرات كانت تقول إن مواجهة بين كلينتون وترامب محسومة بلا شك لمصلحة المرشحة الديمقراطية لتكون أول سيدة تحكم أميركا، إلا أن المخاوف بدأت تنتاب العديد من زعماء الدول الحليفة لأميركا، وحتى المنافسة لها من تزايد احتمالات فوز هذا المهرج العنصري الذي يمكن أن يقود العالم إلى كارثة.

بالنسبة لنا في العالم العربي فإن وجود كلينتون في البيت الأبيض يعني ـ على الأرجح ـ استمرار السياسة الأميركية الراهنة مع بعض الفهم لأحوال المنطقة والخبرة بشؤونها وهو ما غاب عن أوباما!

أما فوز ترامب بعنصريته وعدائه للمسلمين والعرب فسيكون كارثة على أميركا قبل أن يكون علينا أو على غيرنا في العالم. ولهذا يحاول الجمهوريون بكل السبل منع ترامب من أن يكون مرشحهم، ولكنهم يفشلون حتى الآن وهم يعرفون أنهم يواجهون الخيار بين انهيار الحزب وعار ترشيح ترامب.

وأياً كان الأمر، فإنه ـ بالنسبة للعرب ـ فإن نهاية حكم أوباما لن تكون نهاية للمأساة التي صنعتها السياسة الأميركية في المنطقة.