في ذكرى ميلاد مجلس التعاون الخليجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصادف 25 مايو الذكرى الخامسة والثلاثين لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي تأسس عام 1981. سيرورة وصيرورة المجلس هي في حد ذاتها قضية تستحق النقاش.

فقد أنشئ المجلس لمواجهة مهددات معينة كانت في حينها تتطلب مواقف ورؤى خليجية موحدة وتنسيقا وتعاونا بين دول الخليج العربية. فبالإضافة الى المهددات الاقليمية كانت منطقة الشرق الاوسط في مجملها تواجه عدم استقرار رمى بظلال ثقيلة على منطقة الخليج وأمنه.

كما كانت اسعار النفط تواجه مراهنات حادة صعودا وهبوطا الامر الذي تطلب وقفة موحدة للدول الخليجية المنتجة للنفط. وهكذا كان وجود منظومة خليجية موحدة امرا ضروريا لاستقرار الخليج وامنه القومي ولمواجهة المخاطر الاقليمية وحل المشاكل الخليجية.

جاء المجلس الى الوجود وسط أجواء من التفاؤل والامل، ولكن كأي منظومة سياسية جديدة واجه المجلس خلال سنواته الاولى العديد من العقبات والصعوبات التي كادت تؤثر على مسيرة المجلس وعلى ديمومته، ولكن نجاح المجلس في اجتياز تلك العقبات وفي بقائه متماسكا حتى الآن يستحق الاشادة.

فوراء كل ذلك وقفت عقول وقامات أرادت للمجلس أن يكون ممثلا لشعوب دول الخليج قبل انظمتها، وأن يكون صوتا للخليج قبل صورته. وبالتالي حرصت على أن يبقى المجلس متماسكا وسط انواء عاصفة ورياح عاتية.

وخلال مسيرته الطويلة صادف المجلس عقبات كأداء كادت تؤثر في مسيرته وتعرقلها. فقد شهد تباينا في وجهات النظر بين اعضائه تجاه العديد من القضايا والملفات يأتي على رأسها ملف العلاقات الخليجية - الايرانية والعراق واخيرا ملف اليمن والازمة السورية.

ولم تكن الملفات السياسية هي القضايا الوحيدة التي خلقت التباين واختلاف وجهات النظر . هذا التباين الذي بدأ بعيدا عن نسق السياسة الخليجية الموحدة، عرض مجلس التعاون لمطبات كادت تؤثر على مسيرته.

ولكن تضافر الجهود واجتماع وجهات النظر على مواقف شبه موحدة وقريبة من بعضها البعض الى حد ما هي التي انقذت تلك المنظومة المهمة ووفرت لها التماسك وبالتالي الديمومة. فمنذ إنشاء المجلس وحتى الآن اصبحت المنطقة أكثر اضطرابا وأكثر تهديدا واقل استقرارا. فالمهدد الايراني الذي كان أحد أهداف انشاء المجلس لا يزال على قائمة المهددات لأمن الخليج حتى الآن.

وعلى الرغم من وجود اتفاق شبه تام على كيفية مواجهة هذا الخطر الا أنه بمجرد وجود تباين في وجهات النظر حول طريقة مواجهته هو في واقع الامر افساح للمجال لبعض الدول الخليجية لتفسير ذلك التباين بطرق مختلفة.

كما أن التحركات الايرانية في المنطقة ككل وتدخل إيران في بعض القضايا المسببة لعدم الاستقرار في منطقة الخليج كالبحرين واليمن والملف السوري سبب بعض التباين في وجهات النظر بين الاعضاء الامر الذي يهدد تماسك المجلس.

من ناحية أخرى فإن هناك دعوات بانتقال المجلس من حالته الراهنة الى حالة جديدة تتناسب مع التهديد الكبير الذي يواجه المنطقة. فميثاق المجلس يقول بأن حالة التعاون هي حالة مؤقتة في سبيل الوصول الى حالة الوحدة الشاملة التي تنشدها شعوب المجلس.

ولكن هذه الدعوات تقلق البعض الذين يخافون من الذوبان في كيانات أكبر تسلبهم استقلاليتهم. السياسات المالية لدول المجلس ايضا كانت من القضايا التي اظهرت تباينا كبيرا في وجهات النظر. فالخوف من سياسات مالية محددة كان خلف ذلك التباين في وجهات النظر بين الدول الخليجية الست.

كما أن تباين وجهات النظر كان سببا في مراهنة بعض المراقبين الخارجيين على الصعوبات التي تواجه المجلس وتؤثر على مسيرته سلبا. ولكن في حقيقة الامر فإن ذلك التباين في المواقف كان سببا قويا لتلك الآراء التي ظهرت تنادي بتمثيل أقوى لدول المجلس وانتقال المجلس من حالة التعاون الى حالة الوحدة حتى لا تترك مجالا للمشككين في قدرة المجلس على البقاء.

المجلس وهو يحتفل اليوم بعام آخر من اعوامه وسط تنسيق كبير لاثنين من أعضائه هما السعودية والإمارات، حري به أن يضع الاختلافات الاخرى وراء ظهره وأن ينظر للمستقبل بعين الامل لأنه تمثيل لشعوب الخليج التي ارادت لتلك المنظومة البقاء والديمومة. كما أن الصعوبات التي واجهته في مسيرته هي امتحان حقيقي لقدرته على البقاء وقد اثبت المجلس، رغم كل الصعوبات والتحديات، بأنه من أنجح المنظومات العربية.

Email