طبق الديمقراطيون، في أعقاب مذبحة أورلاندو، قانوناً يخدمهم بشكل جيد، مفاده: «لا تدع أزمة جيدة تذهب سدى بعد اليوم». فعمدوا إلى استغلال جثث القتلى كعامل مؤثر للدفع نحو سياساتهم، فضلاً عن تأطيرهم الحوار الوطني من حيث السيطرة على حيازة الأسلحة، بدلاً من الإرهاب، وقد استوحوا ذلك من المتطرفين المتشددين في تنظيم «داعش».
لقد كان الموضوع بأكمله يتعلق بحماية هيلاري كلينتون، مرشحتهم المفترضة للحزب الديمقراطي للرئاسة. فقد كان عليهم حمايتها، لذلك أطلقوا صرختهم بشأن السلاح. ليتم استخدام كل ذلك الانفعال المتعلق بالسيطرة على السلاح، والذي جاء الكثير منه بعناية وبكل صدق، من قبل الناشطين في الحزب بهدف حصد ناخبين.
لقد تم تقديم القانون المتعلق بعدم السماح لأزمة ما بإضاعتها سدى، قبل أعوام، وذلك من قبل رئيس هيئة الأركان السابق للرئيس باراك أوباما، الديمقراطي الحكيم وعمدة شيكاغو رام إيمانويل، وقد أثبتت الأيام الأخيرة أنه على حق مجدداً.
تتضمن الأزمة بالنسبة إلى جميع الأميركيين الرعب المتأتي من الإرهاب والشر المتصل بالإرهابي عمر متين، ابن المهاجرين الأفغان في نيويورك، الذي استوحى من تنظيم «داعش» قتل 49 بريئاً في نادٍ ليلي بمدينة أورلاندو بولاية فلوريدا.
إلا أن أزمات السياسيين الديمقراطيين كانت من نوع مختلف. إذ لم يرغبوا بمناقشة تنظيم «داعش» أو التشدد، وإنما قدموا مسألة السيطرة على حيازة السلاح. وكان يتعين عليهم، وعلى الفور، تسخير المأساة لصالحهم. وبالتالي تم الكشف عن «التعديل الثاني» في الدستور الأميركي.
جميع المسائل المتصلة بهجوم أورلاندو كانت تتعلق بالأسلحة؟ لقد كانت مسألة السيطرة على حيازة السلاح درعاً لحماية كلينتون، ولإبقاء الحوار بمنأى عن الإرهاب، وهو الأمر الذي قد يؤدي لمناقشة العديد من سياساتها الفاشلة في الشرق الأوسط.
لا يمكن للديمقراطيين السماح بحدوث ذلك. فهيلاري كلينتون والرئيس بارك أوباما لا يمكن أن يحظيا بذلك. وخلال فترة الأسى الوطنية، توجد قضية واحدة من المحتمل أن تسهم في تقريب مؤسسة هيلاري كلينتون، ومؤيدي بيرني ساندرز من بعضهم بعضاً، ألا وهي الأسلحة. وهكذا توالت الأصوات. ليقولوا إن الأمر يتعلق بالأسلحة، وهتفوا قائلين: السلاح، السلاح. وقد كان ذلك بمثابة شعار، ليس للسيطرة على حيازة الأسلحة وحسب، بل لتحقيق مصالحة بين المجموعات الديمقراطية أيضاً.
لا يكمن الأمر في ما دوّنه عمر متين، بوضوح، على وسائل التواصل الاجتماعية، عندما صرح بأنه قد قتل الأميركيين لتمجيد تنظيم «داعش». فقد استخدم الجمهوريون طريقة مماثلة، إذ هنالك فرق صغير فيما يتعلق بخبراء التخطيط التكتيكي للحزب. فبدلاً من السيطرة على السلاح غالباً ما يختار الجمهوريون الوطنية، والخوف من الإسلام برمته.
وبينما استخدم الديمقراطيون 49 قتيلاً مغدوراً من أورلاندو، استخدم الجمهوريون آلاف الأميركيين الذين قتلوا في الأحداث الإرهابية للحادي عشر من سبتمبر. لقد استخدموهم لشن الحرب، أولاً في أفغانستان، ثم في العراق. وقد كان الكثير من الديمقراطيين مؤيدين للحرب في العراق قبل أن يكونوا ضدها.
لقد ولد تنظيم «داعش» من رحم العراق المدمر، وكذلك من الحرب الأهلية السورية. وبصفتهم مسؤولين عن الأمر، فقد دفع الجمهوريون الثمن إثر انهيار حزبهم. وبشكل جزئي، بسبب القيادة وفقاً للمصالح الخاصة، لقد وضع الرئيس الأميركي يديه على هذا الأمر أيضاً. بدءاً من سياسة ليبيا الكارثية ووصولاً إلى التذبذب المثير للشفقة لـ «الخط الأحمر» في سوريا، وصولاً إلى انسحابه العسكري المفاجئ من العراق المدمرة، ناهيك عن منح تنظيم «داعش» وقتاً ليسترد أنفاسه، وينمو.
ولكن كيف يمكنك وصف كل ذلك في تغريدة على موقع «تويتر»، أو على فيديو إخباري تصل مدته إلى 60 ثانية؟ لذلك فإن الموضوع يتعلق بالأسلحة، وليس الإرهاب أو تنظيم «داعش»، إلى أن أدلى جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية الخاصة في إدارة الرئيس أوباما، بشهادته أمام الكونغرس.
لقد ألح كل من أوباما والديمقراطيون على أنه قد تم إضعاف تنظيم «داعش»، وأن دونالد ترامب وبعض الجمهوريين يظهرون العنصرية من خلال المطالبة بوقف الهجرة من الدول المسلمة. بيد أن برينان قال إن الاستخبارات الأميركية تعتقد أن جهود إضعاف تنظيم «داعش» لم تعمل على النحو المطلوب الذي تم تأمله، وأن «داعش» يخطط لإرسال المقاتلين للعمل على تسريب مجموعات لاجئين ومهاجرين لشن هجمات على الغرب في شكل غارات على غرار حرب العصابات.
أخيراً، فإن الواقعية ليست شعاراً يناسب الجمهوريين أو الديمقراطيين، ولكنها موجودة بالفعل.