العقلية الداعشية عقلية إرهابية مريضة، ترفض الانصياع لتعاليم الدين الصحيحة، وتخالف صحيح المعقول، وتضرب بكل القيم الإنسانية والأخلاقية عرض الحائط، فهي عقلية شاذة معجونة بعجينة الشياطين.

ومن مظاهر سقوط عقلية الداعشي أنها عقلية سوداوية مفرطة، تنظر إلى الناس بعين الاستحقار، وتعتبر أهل الأرض جميعاً فاسدين، ولا تستثني إلا نفسها وتنظيمها، وقد قال النبي عليه السلام: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكُهم» أي: هو الأحق بالهلاك لذمه الناس وذكره عيوبهم وتكبره عليهم، فكيف بتكفيرهم واستحلال دمائهم؟!

وعقلية الداعشي عقلية دموية لا تعرف إلا لغة القتل والإيذاء، وواقعهم اليوم أعظم شاهد على ذلك، وهذه من سمات الإرهابيين في كل العصور، فالإرهابيون الأوائل الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عاثوا في الأرض فساداً، وكان من جملة من قتلوه عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسروه فذبحوه، وجاءوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى ألا تتقون الله! فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها، وهكذا هم الإرهابيون، أجسادهم أجساد إنس وقلوبهم قلوب الشياطين، لا يتورعون عن سفك الدماء، والتلذذ بذلك، يقول الحافظ المؤرخ ابن كثير رحمه الله: «لو قوي الخوارج لأفسدوا الأرض كلها، ولم يتركوا طفلاً ولا طفلة ولا رجلاً ولا امرأة، لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا يصلحهم إلا القتل جملة».

فعقلية الداعشي عقلية إجرامية شريرة، وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «شر قتلى تحت أديم السماء»، فهم شرار الخلق، وهم أخطر على المسلمين من جميع الطوائف والملل، قال ابن تيمية رحمه الله: «الخوارج شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا يتدينون بذلك لعظم جهلهم»، وهذا ديدن الدواعش المجرمين، فكم قتلوا، وكم ذبحوا، حتى بلغت بهم الجرأة إلى استهداف المسلمين في المسجد النبوي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء من أبعد الناس عن حقائق الإسلام والإيمان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»، فهل سلم الناس من ألسنة وأيدي الدواعش؟! وهل أمنهم الناس على دمائهم وأموالهم؟!

ومن مظاهر سقوط عقلية الداعشي أنها عقلية غليظة متحجرة لا تعرف الرحمة ولا الشفقة، وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم، على أمثال هؤلاء بالشقاء فقال: «لا تُنزع الرحمة إلا من شقي»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من لا يَرْحَمْ لا يُرحَمْ»، وفي ذلك دلالة جلية على عظم شأن الرحمة، والتحذير من عدم الاتصاف بها، وأن الرحمة فضيلة، والقسوة رذيلة، فتعساً لهؤلاء الذين يقتلون ويعتدون بلا رحمة ولا شفقة.

ومن مظاهر سقوط عقلية الداعشي أيضاً أنها عقلية غادرة فاجرة، ينطبق عليها ما جاء في الحديث النبوي: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، وهذه الخصال تنطبق على داعش، فهم معروفون بالغدر والفجور والخيانة والكذب، وهم يمشون في ذلك على خطى المبدأ الميكافيلي: «الغاية تبرر الوسيلة»، حيث أوجدوا لأنفسهم مبررات للكذب والفجور، وغلَّبوا مصالح تنظيمهم على شريعة الله، وهذا هو عين الحكم بغير ما أنزل الله، الذي يرمون به غيرهم، وهم أولى الناس به، وربما أجازوا اللواط وكشف العورات لدس المتفجرات بدعوى الجهاد في سبيل الله، وهذا من أقبح أنواع الجهل وأشنعه.

وعقلية الداعشي عقلية جاهلة متعالمة، تقرأ النصوص وتفهمها بأفهام سقيمة مغلوطة، «يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم» كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، أي: يقرأون القرآن ولا يفقهون معناه، وفي الحديث الآخر: «يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم»، فهذا حالهم مع أعظم كتاب وهو كتاب الله تعالى، يظنون أنهم يفهمونه وهم أجهل الناس به، فهم كما قال الله عز وجل: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقال سبحانه: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً.

الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}، وهذا الداء يسمى بالجهل المركب، وهو أن يفهم الإنسان الشيء على وجه مغلوط، فيجمع بين جهلين، لأنه يجهل المعنى الصحيح، ويجهل أنه يجهل ذلك، وهو من أخطر أنواع الجهل وأشده ضرراً، وهو جزاء المتكبرين المغترين الذين يظنون أنهم أعلم بالقرآن والسنة من علماء الدين وأئمة الإسلام غروراً وتعالياً.

ورغم سقوط عقلية الداعشي فإنه يستمر في الانحطاط إلى الهاوية السحيقة بعد كل عملية إرهابية ينفذها داعش، فإنه بهذه العمليات يذبح نفسه بنفسه، ويجاهر بالعداء للعالم أجمع، وهذا منتهى الجنون، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما وصفهم بقوله: «سفهاء الأحلام»، والسفهاء: جمع سفيه، وهو الذي في عقله خفة، يعني: الذي لا يهتدون إلى عواقب الأمور ومصالح أنفسهم، وهو ما ينطبق بجلاء على الدواعش المجرمين.