(1) السجن للرجال: مقولة عربية تدّعي الحكمة!

والحقيقة أن السجن للصوص والقتلة، ولكن لأن السجون العربية ممتلئة بالرجال الشرفاء.. ابتكرنا هذه العبارة!

(2) في النرويج توجد أكثر سجون العالم رفاهية ودلعاً لـ «النزيل»ـ هكذا يسمونه ـ فهم لا يفكرون بعقابه بقدر ما يبحثون عن إصلاحه وعلاجه وإعادته إلى المجتمع، ولهذا تقدم للنزلاء كافة أنواع فرص التعليم، من تعلم حرفة النجارة إلى الالتحاق بإحدى الجامعات لإكمال تعليمه، بالإضافة إلى كل وسائل الترفيه التي يحظى بها الإنسان خارج السجن.

في سجن هالدن النرويجي المكان أشبه بمنتجع في قرية، السجين يمارس رياضة المشي مع السجّان غير المسلح، ويتناول السجناء والحراس وجبات الغداء والعشاء على نفس الطاولة. يحظى السجين بغرفة نظيفة ودورة مياه خاصة وتلفزيون حديث ذي شاشة مسطحة وثلاجة صغيرة وكمبيوتر، وتتشارك كل عشر زنزانات في مطبخ وغرفة معيشة مؤثثة ونادٍ صحي. وكل فترة يتم توزيع الاستبيانات على النزلاء لمعرفة مدى رضاهم عما يقدم لهم!

يتعاملون مع الإنسان كإنسان مهما كان شكل وحجم الخطيئة التي أوصلته إلى هذا المكان، ولهذا رفضوا في النرويج دعوات بعض الأحزاب المحافظة بأن تقتصر هذه المعاملة المرفهة فقط على السجين النرويجي خوفاً من انتقال الجريمة والمجرمين من الدول الأخرى إليها، يقول مدير السجن «العقوبة تعني تقييد الحرية وليس الانتقام من المذنب».

يظل السجن سجناً مهما كانت فخامته ونظافته ورفاهيته. ومع هذا، يخيّل لي أن هنالك مئات الآلاف من «الطلقاء» العرب يتمنون في أحلامهم لو يحظون بنصف ما يحظى به السجين النرويجي، أقول «الطلقاء» ولم أقل «الأحرار» فالفرق شاسع وواسع ولاسع بينهما، كم من طليق مستعبد وكم من سجين حُر.

(3)يكاد أن يكون الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز أهم من اهتم بالسجون ومعاملة السجناء ومنحهم حقوقهم:

ـ أمر بعزل أصحاب الجرائم البسيطة عن عتاولة المجرمين.

ـ أمر بصرف رواتب لهم ومنحهم كسوة الصيف والشتاء، وطعامهم وشرابهم.

ـ أمر ولاته في أول حكمه بتنظيف السجون وإطلاق سراحهم.

ـ أمر بصرف الراتب ورعاية أهل السجين إن لم يكن لهم عائل سواه.

ـ «لا تدعن في سجونكم أحداً من المسلمين في وثاق لا يستطيع أن يصلي قائماً ولا يبيتن في قيد إلا رجل مطلوب بدم».

وأمر ولاته، رضي الله عنه، بتعجيل النظر في أمور المتهمين، فمن كان عليه أدب فيؤدّب ويطلق سراحه، ومن لم تثبت عليه قضية يُخلى سبيله (مر ولاتك جميعاً بالنظر في أمر أهل الحبوس في كل الأيام فمن كان عليه ذنب أدِّب وأطلق، ومن لم تكن له قضية خُلّي عنه، وانظروا في السجون ممن قام عليه الحق، ولا تعد في العقوبة، ويعاهد مريضهم ممن لا أحد له ولا مال).

(4)في الوقت الذي تعاني فيه بعض البلدان من ازدحام سجونها الرديئة، وتضطر أحياناً لتحويل بعض المباني الحكومية إلى سجون مؤقتة، تعاني هولندا من مشكلة على النقيض تماماً، نصف سجونها فارغة، والكثير من سجانيها يعانون البطالة، يقول الخبر «وافقت هولندا التي توجد لديها أماكن خالية كثيرة في سجونها على استضافة 500 سجين بلجيكي في سجن في مدينة تيلبورج بجنوب البلاد وسلمت نائبة وزير العدل في هولندا مفاتيح السجن إلى وزير العدل البلجيكي، وستدفع بلجيكا في المقابل 30 مليون يورو لإيجار السجن لثلاث سنوات»!

(5)عشٌ بسيط، على غصن شجرة جرداء أجمل من قفص ذهبّي فيه حَب وماء «هذا ما قاله العصفور الحُر لعندليب القصر».

(6)في النرويج، لا يزال الناس مصدومين مما فعله السفاح «أندرز بيرينج بريفيك» مرتكب ما عُرف بـ «مذبحة النرويج» والتي قتل خلالها 77 شخصاً، ومنذ ذلك اليوم ـ 22 يوليو 2011 ـ والنقاشات والأبحاث والحوارات العلمية لم تتوقف، يحاولون أن يفهموا ويحللوا، لماذا، وكيف حدث هذا الأمر، وما هي أسبابه، وما هو الخلل التربوي أو التعليمي، أو الاقتصادي الذي أنتج هذا الوحش البشري الذي ارتكب هذه الفعلة التي لا شبيه لها في التاريخ النرويجي؟

بريفيك هذا، يحظى بكافة الحقوق التي يحظى بها أي سجين في النرويج، ولأنه ممنوع من مشاركة بقية السجناء ـ خوفاً عليهم منه ـ تحولت زنزانته إلى شقة صغيرة فيها غرفة نوم بدورة مياه وغرفة تلفزيون وكمبيوتر وغرفة ثالثة ليمارس الرياضة، وقبل فترة قدم أوراقه لدراسة العلوم السياسية في جامعة أوسلو.

الطريف أنه تقدم قبل فترة بتقديم شكوى بسبب سوء معاملة سلطات السجن له، ومما ورد في رسالته المكونة من 27 صفحة «سلطات السجن لا تهتم بدرجة حرارة قهوته الصباحية، ولا تزوده بالزبدة الكافية للفطور، ومنعته من استخدام مرطب البشرة!»

يخرب بيتك يا أندرز يا ابن بريفيك، ويا بجاحتك، ويا لصفاقتك، نفسي مرة تذوق العدس في زنزانة عربية!

(7)على فكرة: كل السجناء في سجون النرويج وبلجيكا وهولندا هم قتلة ومغتصبون ولصوص وتجار مخدرات، ولا يوجد بينهم شخص واحد تم سجنه لأنه عارض النظام، أو اتخذ موقفاً مع أو ضد شيء ما، كما يحدث في معظم السجون العربية.

‏‫