نسرد مثالاً على بعض الأخبار في الخارج، فقد هاجم حارس أمن روسي مسؤولًا دبلوماسياً أميركياً خارج بوابة السفارة الأميركية في موسكو، بالرغم من انعقاد اجتماع قادة حلف شمال الأطلسي »ناتو« للعمل ضد الاعتداء الروسي المقبل. كما واصل تنظيم »داعش« فوضاه الإرهابية العالمية بهجمات مرعبة في كل من بغداد واسطنبول.
ورفضت إيران تحذيرات الأمم المتحدة وتبجحت، على نحو قاطع بأنها ستواصل اختبار الصواريخ البالستية. كما تعتقد الأجهزة الاستخبارية الألمانية بأن إيران، التي حازت أخيراً على أرصدة نقد أجنبية تقدر قيمتها بنحو 100 مليار دولار أميركي، تنتهك اتفاق حظر الانتشار النووي، الذي تقوده أميركا، في محاولة لاستيراد تقنية صناعة المتفجرات النووية. في حين أقدمت كوريا الشمالية على اختبار خاص بالصواريخ الموجهة عن بعد (من الواضح أنه غير ناجح).
هناك طرق عديدة لتفسير تلك الأحداث التي لا تحمد عقباها. إذ يمكن أن تشير إلى المزيد من أفعال التبجح الفارغة من قبل أعداء أميركا. أو لأن هذا عام الانتخابات في البلاد، يتخذ الأعداء مواقف محددة لدعم جداول أعمالهم الخاصة، على غرار ما يقدمون على فعله دوماً في الأوقات التي يسودها عدم اليقين حيال من سيكون الرئيس المقبل.
أو لأنه يتم النظر لباراك أوباما كرئيس أميركي يتبع سياسة البطة العرجاء، بشكل استثنائي، كمن يتطلع لإنهاء فترة ولايته من دون الإقدام على فعل أمر كبير على المستوى الخارجي حتى لا يعرض إرثه السياسي للخطر.
وربما عقب بزوغ عمليات التفجير التي قام بها تنظيم »داعش«، والفوضى في بنغازي، والإخفاق في إعادة ضبط الأوضاع مع روسيا، ناهيك عن التعدي الصيني غير المبرر في بحر الصين الجنوبي.
والتنازلات في صفقة إيران، والانهيار الحقيقي للشرق الأوسط، والنتائج العكسية لمواعظ الرئيس بشأن أعداء مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، اعتبر الأعداء منذ تلك الأحداث، أن أميركا تسير في اتجاه معاكس. وقد يكون أولئك الأعداء غير متأكدين من فكرة ما إذا كانت أميركا لاتزال راغبة، أو يمكنها، ممارسة سيادتها التقليدية للعالم الحر، وأن تظل كحارس للنظام الدولي بعد الحرب.
ولكن ربما هنالك حافز آخر يدفع لوقوع مثل تلك الأحداث. إذ يبدو أن أميركا تدخل منطقة أخرى لعدم الاستقرار الداخلي، تشبه تلك التي دخلتها بين ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
فعقب الهجمات التي أقدم عليها متطرفون متشددون في كل من سان برناردينو وأورلاندو، لم يحتشد الأميركيون سوية على غرار ما فعلوا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وبدلاً من ذلك، تمزقت البلاد، على الفور، بشكل أبعد عن بعضها البعض.
بعد الأحداث الأخيرة لمصرع رجلين من أصل أفريقي في مواجهات مع الشرطة في (ولايتي مينيسوتا ولويزيانا)، والتي أعقبتها مظاهرات حركة »بلاك لايفز ماتر«، وقتل خمسة من ضباط إنفاذ القانون في دالاس، قد يبدو الأمر بالنسبة إلى أعدائنا في الخارج أن قوة أميركا الخارقة تتفكك داخلياً إلى عصبية قبلية.
وعلى غرار حالة الإرهاب، يبدو أن ليس لدى أميركا أي جواب بشأن التوترات العرقية. إذ يعتقد نصف سكان البلاد بأن الأميركيين من أصل أفريقي مستهدفون بشكل مبالغ فيه من قبل الشرطة، وأنه يمكن إرجاء العدوان داخل البلاد لتاريخ طويل من العنصرية، والتجاهل الوطني..
والركود الاقتصادي. بينما يلقي النصف الآخر باللوم على الرعاية الاجتماعية الكارثية، وسياسات الحكومة الكبيرة الرامية لإيجاد تبعيات خطيرة، وعلى قلة الوظائف في مدن أميركا الداخلية، وكذلك على الثقافة الشعبية التي تمجد تجاوزات العديد من الشبان من أصل أفريقي، بدلاً من محاولة تثبيطها.
قد يراهن أعداؤنا، بشكل متزايد، بأن تلك الاستفزازات التي لن تفضي لإثارة رد فعل أميركي، أو أنه حتى في حال إيجاد رد فعل، فإن الانقسامات المحلية والاضطرابات الناتجة، ستضعف فعالية الاستجابة.
يضاف ذلك إلى معادلة سجل الديون والتخفيضات الهائلة في ميزانية الدفاع، حينها قد يتوصل أعداؤنا، أخيراً، إلى أننا نمثل روما في عام 500 ميلادية، أو بريطانيا في أواخر أربعينيات القرن العشرين، أو روسيا في ثمانينيات القرن الماضي. ولنكون صريحين، فإن نظام أميركا العالمي ما بعد الحرب قد يبدو مثل جيفة جاهزة أمام النسور الانتهازية لكي يتم التقاطها.