عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ! قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
لقد أدركت قيادة دولة الإمارات الرشيدة مدى ما تعانيه وما وصلت له مجتمعاتنا العربية بعد مرحلة ثورات ما بعد «الخريف العربي» وما خلفته من تداعيات خطيرة مؤسفة، أدت بدورها إلى هزات ارتدادية عميقة أثرت بشكل مباشر على منظومة قيمها ومبادئها الأخلاقية وتقاليدها العربية الإسلامية الأصيلة. مما أدى بها إلى اختلاط الحابل بالنابل في كافة القضايا والأمور، فأصبحنا في زمن وعهد بشر به الرسول الكريم محمد «عليه أفضل الصلاة والسلام» كما ورد في الحديث الشريف أعلاه.
صرنا في زمن يتطاول فيه التافه على الأشراف والأسياد وولاة الأمر، ويُكذب فيه الصادق النزيه قائل قول الحق، ويؤتمن فيه السفيه الكاذب المخادع، زمن صارت فيه المنابر الإعلامية أداة هدم للأخلاق والقيم والمبادئ الجميلة الحسنة الراقية، منابر تزود المتلقي بالتفاهات والخداع والتضليل والعروض الإباحية المنبوذة (ديًنا وخلقاً) ناهيك عن شبكات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك_تويتر_إنستغرام إلخ) حدث ولا حرج، سباب والعياذ بالله تطال الكبار قبل الصغار من الوالدين والأقربين الأبرياء الغافلين في بيوتهم والذين لا حول لهم ولا قوة بمن يلعنهم ويكفرهم ويستهزئ بهم، ومن هذا المنطلق لا بد من توضيح أهمية«القيم الأخلاقية»، ودورها في المنعطف الحضاري الذي دخلت فيه الحياة المعاصرة، إزاء العولمة وتحدياتها وتأثيرها على قيم المجتمع وهويته وخاصة التطور التكنولوجي والاستخدامات السيئة كما اشرنا .
لقد أشرنا في مقالة سابقة عن العلاقة بين «القيم والهوية الوطنية» بعنوان «القيم والهوية الوطنية»، وأوصينا بضرورة تضمين القيم الأخلاقية في المناهج التعليمية، بأبعادها وأشكالها المختلفة. حسب مستويات كل مرحلة تعليمية، ولقد أثلجت صدور العامة من شعب الإمارات، من نخب حكومية وشخصيات تربوية واجتماعية وكتاب وأدباء وأولياء أمور وغيرهم المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي تدعم العملية التعليمية بمادة «التربية الأخلاقية» في المناهج والمقررات الدراسية وذلك بالتعاون والتنسيق مع وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم وباقي المؤسسات ذات الصلة.
وتشمل مادة التربية الأخلاقية خمسة عناصر رئيسية هي الأخلاقيات والتطوير الذاتي والمجتمعي والثقافة والتراث والتربية المدنية والحقوق والمسؤوليات. والتي تهدف إلى ترسيخ الخصائص الأخلاقية والقيم في دولة الإمارات بين طلبة المدارس، وتعزز التسامح والاحترام والمشاركة المجتمعية وتنمي روح المبادرة والتفاعل الإيجابي والمسؤولية، وتشجع على الإبداع والابتكار والطموح لدى الطلبة وحب والعلم وإتقان العمل، وفي وقت تزامن مع مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أكد خطيبا الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة أهمية الأخلاق في المجتمع بكل فئاته.
وأشارا في خطبتي الجمعة الماضية، إلى أن حسن الخلق يكمن في الكلمة الطيبة ولين الجانب واللطف والسماحة والصلة والإحسان وبذل الندى وكف الأذى.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح آل طالب أن الأخلاق تثقل موازين العباد يوم القيامة، كما أن أحق الناس بحسن الخلق هم الأقربون: الوالدان والزوجة والأولاد.
وفي المدينة المنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير عن الترفق واللين في الحديث والترفق في الخطاب والحوار، وعدّ ذلك من الأمور التي تستمال بها النفوس وتستعطف بها الأهواء المختلفة وترد من خلالها القلوب النافرة والآراء المتغيرة.
وقال إن صاحب الخلق الدنيء واللسان البذيء، الطعان في الأعراض، الوقاع في الخلق القذاف للبراء، الوثاب على العباد لا يكون مصلحاً ولا ناصحاً ولا معلماً. ودعا فضيلته الأمة إلى عدم اتخاذ الأحداث التي تحصل في المجتمعات أسباباً يتم التشاتم عليها في مواقع التواصل الاجتماعي ما بين لاعن وساب وشاتم.
وحض إمام وخطيب المسجد النبوي كل من توارى وراء شاشة جهاز واستتر باسم مستعار وتباعد عن الأنظار وصار يكل السب والشتم لغيره عليه التوبة مما كتبت يداه ومحو سبه وأذاه...
ومما لا شك فيه أن المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لاقت تفاعلاً رسمياً واسعاً، لأنها تؤصل لقيم التسامح وتحافظ على الإرث الأخلاقي الجميل الذي يتمتع به أبناء الإمارات؛ فجعل الأخلاق منهجاً سيسهم بدور فاعل ومؤثر تأثيراً مباشراً في غرس القيم الأخلاقية النبيلة الصحيحة. مما يساعد ويؤهل على احترام التعددية الثقافية وقبول الآخر عند النشء بالتوازي مع المحافظة على القيم والعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، التي تؤكد الاحترام والتعاون والمحبة والمودة والبذل والانتماء والتضحية والعطاء لأرض الإمارات الطيبة.
وتأسيساً على ما تقدم، وعلى الرغم من كل ما يقال عن العولمة وتأثيرها في نظام القيم وتشكيل رؤية الفرد، نظراً لما أحدثته وما سوف تحدثه من تغيرات جوهرية أو نوعية في أنماط السلوك والمعايير الأخلاقية الإنسانية، فلا سبيل لمواجهتها إلا بتحريك ما في الإنسان من عنصر سامٍ، ليسمو فوق مستوى العولمة وتحدياتها، من خلال وعي أخلاقي لا بد من غرسه في عقول وأفكار النشء. وترسيخه في وجدانهم يتلقونه من خلال مناهجهم التعليمية.