تختتم فعاليات دورة الألعاب الأولمبية «ريو 2016» في البرازيل يوم الثلاثاء المقبل، فبعد مرور أسبوعين من انطلاق الدورة في 5 أغسطس من الشهر الحالي، علينا أن نحصد ما زرعناه، وأن ننظر إلى إنجازات دولنا العربية، وليس هذا فحسب، بل علينا أيضاً أن نتمعن بحال الرياضة العربية، وإنجازاتها الخجولة طوال السنين الماضية.
بقيت دولنا العربية سنين طوال وهي تنافس على نيل شرف المشاركة في جميع الميادين الرياضية العالمية، وفي بطولات كأس العالم المتعلقة بجميع الرياضات الجماعية، ككرة القدم، والسلة، واليد..
والكرة الطائرة وغيرها، وكما هو معلوم، فإن الرياضات الفردية ليست بأفضل حال، فأبطالنا معدودون على الأصابع، ولن نعرفهم إلا بالرجوع إلى محرك البحث «غوغل»، وهذه هي المشكلة الأساسية، إذ إننا في بلداننا العربية لا نهتم بالرياضيين، ولا نعطهم حقهم من الدعم، سواء المعنوي أو المادي.
فقد أثبتت دراسة صينية، أن الفوز بميدالية ذهبية يحتاج 2.5 مليون دولار تُصرف على اللاعب منذ ولادته، والعبرة هنا ليست بالمبلغ الضخم الذي خصص لتكوين اللاعب، إنما العبرة من هذا، هو الإشارة إلى أن الرياضة صناعة وخطة وطنية، فهل بلداننا العربية صرفت هذه المبالغ على أبطالنا؟، أم هم نتاج اجتهادات شخصية وفردية؟.
بما أن الرياضة أصبحت صناعة، ولها قواعد واشتراطات، فإننا إن اتبعناها سنصل إلى مبتغانا في صناعة بطل عربي، وقد كانت لنا تغريدة قبل أيام في تويتر، وضحنا فيها إحدى المفارقات التي حصلت في ريو، والتي تخص فوز الشاب السنغافوري «جوزيف سكولينغ» على مثله الأعلى وصاحب 20 ميدالية ذهبية، الأميركي «مايكل فيلبيس» بعد 8 سنوات من التقاط الطفل آنذاك صورة مع البطل فيليبس، ولو أمعنا النظر في هذه المفارقة وغيرها من المفارقات الرياضية التي حصلت في ريو هذا العام، فإننا سنجد أن المستحيل يمكن تحقيقه بالجد والاجتهاد والالتزام والتخطيط والمثابرة والدعم.
الطفل أصبح اليوم بطلاً، وهذا يدعونا للتساؤل: ماذا فعلت سنغافورة لصناعة بطل في 8 سنوات؟!، وكيف استطاعت أميركا المتصدرة حتى هذه اللحظة، تحقيق هذا العدد الكبير من الميداليات؟،
فهل هؤلاء الأبطال موهوبون بالفطرة؟، ولو كانوا كذلك، فكم عدد الموهوبين في بلادنا العربية، إن المشكلة في بلادنا العربية، تكمن أولاً في عدم سعي مؤسساتنا في البحث عن أصحاب المواهب لتنميهم، فحتى عندما نحلم بمستقبل أبنائنا، فإن ذلك سينحصر بأن يصبحوا «أطباء، ومهندسين، وطيارين، وغيرها من التخصصات»، وسنصرف النظر عن الرياضة.
إن البطل الحقيقي يولد من البيت، ويُكتشف في المدرسة، وتُنمى موهبته في النادي، ومن ثم، يلقى الدعم من الدولة، فهذه هي مراحل صناعة بطل، وبالنظر إلى مدارسنا العربية، التي فضلت العلوم على الرياضة والفنون، حتى أصبحت حصص الرياضة شبه ملغاة، أو حصص فراغ، وأنديتنا العربية التي ألغت من أنشطتها المعسكرات التدريبية للناشئة، ولم تعد تهتم باستكشاف المواهب، فهل هذه هي الجهود التي نبذلها لصناعة بطل رياضي عربي.
بعد أن وصلنا إلى هذا التطور، وأصبح الاختصاص العلمي يتدخل في كل مجال، فلا بد لنا أن نواكب الركب، ونسعى إلى صناعة أبطال حقيقيين، وأن ندخل المنافسة بقوة وبتحضير عالي المستوى، لا على استحياء، وهذا يوجب علينا إعادة النظر بخططنا الرياضية في بلداننا العربية، وبمشاريع واستراتيجيات أنديتنا واتحاداتنا العربية بكافة الرياضات، بل على حكوماتنا التدخل لإيجاد الحلول لصناعة بطل أولمبي عربي، فماذا ينقصنا؟!، هل تنقصنا العضلات وقوة الجسد؟!، بالطبع لا.
الرياضة جزء مهم من الحضارة والتطور الذي نسعى إليه، وإن تفوقنا في العديد من القطاعات، فهذا يحتم علينا أيضاً الاهتمام بكافة التفاصيل الأخرى، وأن نرسم آلية تنسيق بين الأسرة،والمدرسة والنادي ومؤسسات الدولة، ليجتمع الجميع في خطة إعداد وصناعة بطل أولمبي.
والأمر يحتاج فقط إلى أن يجتمع صناع الأبطال في بلداننا العربية على طاولة المشاورات، لوضع خطة عمل خمسية أو عشرية للوصول إلى أهدافنا الرياضية المنشودة، والطريق أمامنا مجهز ومعد، فنحن نمتلك البنية التحتية لذلك، سواء بوجود أندية رياضية عريقة، أو الملاعب والصالات الرياضية المجهزة، وكل ما علينا، هو وضع الخطة، وإلزام جميع الأطراف لتحقيق أهدافها.
أمامنا سنتان من الآن للدورة الشتوية المقبلة، وأربع سنوات للدورة الصيفية، وبعدها سنلتقي مجدداً، وسنعد الألقاب العربية، وسنعلم حينها إن كنا تعلمنا الدرس، وإن كنا تعلمناه فعلاً، فهل طبقناه على أكمل وجه؟، وهل قمنا بالسعي والمضي في صناعة الأبطال في جميع المجالات الرياضية؟
ونحن الآن بانتظار أن نرفع رؤوسنا عالياً من خلال تحقيق أكبر عدد ممكن من الميداليات، وليس ميدالية واحدة أو اثنين، وأن نحرز مفاجأة في الدورة المقبلة، وهذا ليس صعب المنال، إنما يحتاج فقط إلى الإرادة والإدارة، وبعدها سنكتب النجاح، وأعدكم بذلك.