إذا كان الخليج بالنسبة للأميركي في بداية عقد السبعينيات غامضاً أو مجهولاً فإنه أصبح منذ منتصف السبعينيات معروفاً كمنطقة بترولية ونقطة جذب استراتيجي مهم ومنطقة زاخرة بالحراك الاقتصادي والحضاري.
فمخزون الخليج من النفط وموقعه الاستراتيجي المتميز بين الشرق والغرب والصراع السياسي الذي دار حوله بين الولايات المتحدة والقوى العظمى الأخرى جعله محط أنظار الأميركيين ساسة وشعب.
فصناع القرار الأميركي كانوا يرون في الخليج منطقة مهمة استراتيجياً ولابد من الاستحواذ عليها لو أرادوا البقاء في منطقة الشرق الأوسط، أما القوى الأخرى كالاتحاد السوفييتي مثلاً، فقد وجد في الخليج منطقة مواجهة مهمة لغريمه القوي الولايات المتحدة الأميركية.
وهكذا قفز الخليج من خانة غير المعروف بالنسبة للأميركي إلى خانة المعروف والمؤثر في الأمن القومي. ولكن صورة الخليج في الذهنية الأميركية ما لبثت أن تبدلت في الفترات التاريخية اللاحقة.
فالخليج لم يعد نفطاً فقط بل ثروات اقتصادية أخرى ومنطقة زاخرة بالحراك السياسي والحضاري. فبدأت صورة جديدة تظهر للخليج قائمة على حب السيطرة والاستحواذ وضم ذلك الإقليم المهم تحت الجناح الأميركي مهما كان الثمن.
أما بالنسبة للخليج فقد كانت أميركا أنموذج التقدم والتطور التقني والمادي مما أدى إلى ظهور رغبة قوية في بلدان الخليج للوصول إلى ما وصلت إليه أميركا، إن لم يكن كله فجزؤه. لقد كانت العلاقة بين الخليج وأميركا علاقة قائمة على الحب والكره كما يقول المثل الأميركي، حب الوصول إلى ما وصلت إليه أميركا وخاصة فيما يتعلق بالتطور المادي، وكره بعض التوجهات الأخلاقية والسياسية التي تجسدها الولايات المتحدة الأميركية.
وخير تجسيد لتلك العلاقة هي مواقف الأنظمة والنخب في الخليج. فقد كانت الشخصية الأميركية، خاصة تلك المختصة بصناعة القرار، مدركة جيداً، أنها لو أرادت علاقة خالصة مع دول الخليج فعليها الالتزام بالمعايير الأخلاقية والسياسية معاً ولا فصل بينهما، أما الشخصية الخليجية فقد توصلت إلى قناعة أن السياسات الأميركية لا تتبدل عشوائياً ولا طبقاً لأهواء شخصية وإنما تتبدل بناءً على أجندات خاصة ومصالح أميركية قومية معينة.
فبينما كانت القضايا القومية هي محور اهتمام الخليج، انصب الاهتمام الأميركي على القضايا ذات العلاقة بالمصالح الاقتصادية وذات العلاقة بالعلاقات الدولية حتى وأن كانت تتعارض مع مصالحها في الخليج. وعلى الرغم من العلاقة القوية التي ربطت بين الطرفين إلا أنهما نادراً ما كانت رؤاهم مشتركة. فما كان يفرقهما هي المواقف والسياسات الأميركية من القضايا ذات البعد العربي القومي كقضية فلسطين مثلاً.
في فترة التسعينيات طرأ على علاقات الطرفين تقارب كبير.
فقد رمت حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت بظلالها على علاقات الطرفين وأثمرت عن تحالف أدى إلى دحر قوات صدام من الكويت.
من أثار تلك الحرب كان ذلك التقارب الكبير في الرؤى والمواقف بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة.
ولكن ذلك التقارب الكبير في الرؤى لم يدم طويلاً.
ففي العقد الأول من الألفية الثالثة أصاب العلاقة بين الطرفين فتور. فالهجوم الذي أصاب الولايات المتحدة في عقر دارها عام 2001 جعلها تتبنى الكثير من السياسات والمواقف التي تأثرت بها منطقة الخليج سلباً.
أما الخليج فقد تغيرت رؤى نخبه من الولايات المتحدة. فلم تعد أميركا إلا تجسيداً للقوة والهيمنة وتغليب المواقف المضرة بالمصالح المشتركة.
إن المتغيرات الأخيرة التي طرأت على علاقة الطرفين وعلى صورة كل منهما في نظر الآخر لا تعنى أنهما أصبحا على مفترق طرق. فعلاقة الطرفين والصورة المشتركة للخليج وأميركا في ذهنية كل منهما تبدلت العديد من المرات ولكنها لم تتغير كثيراً.
فما زالت صورة أميركا في الذهنية الخليجية صورة لا تعادلها أي صورة، فهي الحليف والسند ضد الأطماع الإقليمية، وما زال الخليج في الذهنية الأميركية الشريك الاقتصادي الأهم والحليف ذو الموقع الاستراتيجي المتميز والمهم لأمن الولايات المتحدة.
وما زالت علاقة الطرفين قوية وكليهما في احتياج للآخر. أميركا في حاجة للخليج كسند اقتصادي والخليج في حاجة إلى أميركا كسند استراتيجي وعسكري. وعلى الرغم من جهود كلا الطرفين للخروج من دائرة الالتصاق بالآخر إلا أن الظروف الإقليمية والمتغيرات العالمية غالباً ما ترجع لتجمعهما معاً ولتجعل مواقفهما مشتركة مرة أخرى.