يبدأ فيلمٌ وثائقي بمنظر لقطع رأس شخص بالسيف ثم صور تم إدخالها ببعض وبتسارع مقصود مع أصوات بكاء ونداءات استغاثة وشكوى عن الظلم والاستبداد وكبت المرأة وأنّ الطفل منذ نعومة أظفاره يُعلَّم أن المسيحيين واليهود كفار يجب قتلهم ثم يخرج صوت يُعلّق على تلك المشاهد ليقول: «هذه ليست داعش، هذه المملكة السعودية حليفتنا»!.
الأسبوع الماضي فاجأتنا صحيفة New York Times الأميركية الشهيرة والمقرّبة من البيت الأبيض بنشر مقال لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حمل عنواناً استفزازياً يقول: «لنخلص العالم من الوهابية» ووُضِعَتْ معه صورة أكثر استفزازاً لعَلَمٍ أخضر يحوي سيفاً كعلم المملكة وكلاشنكوف بدلاً من كلمة التوحيد، تخيّلوا أنّ وزير خارجية جمهورية دموية كانت ضمن «محور الشر» أصبّح يتحدّث بصيغة الجمع ويتحدّث بشفقة على العالم لتخليصه من الشر.
في هذا المقال جمع ظريف من الأكاذيب الكثير كعادة حكومة الملالي وشن على المملكة السعودية هجوماً عنيفاً ملأه بالتلفيقات ودغدغة مشاعر الأميركان بالكلمات التي يحبونها كالإرهاب والوهابية والتذكير بهجمات سبتمبر والتي ادّعى أن «الوهابية المسلّحة» هي من يقف وراءها بل ووراء كل الفوضى في الشرق الأوسط وبحار الدم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كان حديثه سيكون صادقاً تماماً لو وضع بدل اسم السعودية اسم جمهورية الشر إيران، لكنه عرف أن الرياح تهب من أروقة البيت الأبيض والكونغرس في أشرعته فساق من الهجوم على المملكة أموراً لا يقرّها مراقب منصف، لكن كما قال عرّاب الدعاية غوبلز: «اكذب اكذب حتى يصدّقك العالم»!.
هذه الأيام تتعرّض المملكة لأعنف حملة إعلامية غربية منذ الحرب الباردة تستهدف تصويرها كرأس الشر الجديد وأنها ذاك العدو الذي كان يدّعي التحالف لكنّه منشئ ومموّل ومنظّر لكل جماعات الإرهاب التي تستهدف الحضارة الغربية، لذلك لم يتوّرع الغربيون والأميركان تحديداً من نبش كل الملفات القديمة والتدخل في كل تفاصيل الشأن الداخلي السعودي ووضع مجهر مكبّر لكل شيء وتعميم الحالات الاستثنائية واجتزاء الحقائق والتعامل بانتقائية لكل ما يخص قرارات وأحكام المملكة لشيطنتها وتثبيت الصورة القاتمة لها في مخيّلة الرأي العام تمهيداً لـ«شرعنة» تمرير ما يبدو أنه «تعهّد» تم أخذه بسرّية!
التعهد كان للشيطان الحقيقي في طهران، والتي يُرجّح يوهان غالتونج الحائز على نوبل في مجالات أبحاث السلام أنّ هذه الهجمة الإعلامية المسعورة ضد السعودية ليست إلا جزءاً من الثمن الذي طلبته إيران لتوقيع الاتفاق النووي مع أميركا وحلفائها، لذا يُلاحَظ أنّه لا يُهاجِم السعودية سوى إعلام تلك الدول فقط، وحتى لا يظن البعض المبالغة في ذلك أحب التذكير بمقال نشرته صحيفة Wall Street Journal للصحافي جيه سولمون ذكر فيه سماعه شخصياً من مسؤولي التفاوض الأميركان والإيرانيين في عُمان عندما أعلن أوباما أنه سيقصف قوات بشار الأسد لاستخدامه السلاح الكيماوي في أغسطس 2013 فقاموا بالتنبيه للبيت الأبيض أنّه لا يمكن التقدّم في المفاوضات إذا تم مهاجمة حليف إيران، وأُلغي القرار لأن إيران تلعب جيداً فأحياناً تلعب بورقة المشروع النووي وأحياناً بالمشروع التوسعي، هناك دائماً ورقة ضغط تُجيد استخدامها لِلَيّ الذراع الغربية!.
رأس الحربة في الهجوم على السعودية لتبديل الأدوار مع إيران في من هو الحليف الموثوق ومن هو العدو الغادر هو اللوبي الإيراني في واشنطن والمسمّى NIAC والذي يترأسه المحلل السياسي تريتا بارسي، والذي لعب دوراً كبيراً في الاتفاق النووي وحالياً نجح في تأسيس جبهة حرب عارمة ضد المملكة في مراكز القرار ووسائل الإعلام الأميركية، فالمشروع الإيراني التوسعي لن يستمر مستقبلاً إن لم يحظَ بمباركة ودعم الغرب وهذا لن يحدث ما دامت السعودية هي مركز الإسلام، فالحل هو تقديم إيران كبديل تقدمي وممثل للإسلام الذي يريده الغرب فلم يسبق للإسلام «الإيراني» أن دخل في حرب مع الغرب منذ ظهور الإسلام عكس الإسلام السني الذي تمثله السعودية، ولأن كلمة «سنّي» خطيرة لأنها تمثل قرابة مليار ومئتي مليون إنسان في العالم تم الاستعاضة عنها بكلمة «وهابي» للتدليس بأن المراد فقط السعودية!.
الهجوم على المملكة وبالتبعية علينا في الخليج كبير ولن يكون آخرها إقرار الكونغرس قانون حق مطالبة أهالي ضحايا 11 سبتمبر للسعودية بالتعويضات في سابقة غير معهودة في العرف الدولي والتعدي على هيبة الدول ومبدأ الحصانة السيادية، لكنّه دليل أن بوصلة الغرب تتجه لإيران لا لنا وعلينا قبول هذه الحقيقة، والأهم قبول حقيقة أننا فشلنا إعلامياً بصورة مخجلة!.
إعلامنا في مجمله ارتجالي يعتمد على ردّات الفعل والفَوَران الوقتي للتعامل مع الأحداث لذلك تأتي طروحاته متشنجة قائمة على التبرير والوقوع في شَرَك موقف المتّهم الذي يحاول إثبات براءته، وعندما يُغرق اللوبي الإيراني المشهد الأميركي بكتّاب ومحللين إيرانيين أو أميركيين من أصول إيرانية يقومون بتسويق الرؤية الإيرانية وتجميلها وتلفيق الأكاذيب علينا نجد أن أقصى طموح العرب أن يكتبوا مقالاتهم بلغتهم لأنفسهم في صحفهم المحلية!
نحتاج خططاً ممنهجة وعقولاً إعلامية فذّة قادرة على إدارة هذه المعركة الخطيرة التي قلبت العالم علينا بالحبر والمايكروفون ونحن ننام في العسل، والتواجد هناك وحده لا يكفي ولا الفعاليات السخية التي نقوم بها بحُسن نيّة لأنها من السهولة بمكان أن توظَّف ضدنا من اللوبيات الإيرانية وادّعاء أنها محاولات لتجميل صورتنا، والمطلوب هو مخاطبة النُخَب المثقفة بالفكر والمنطق برتمٍ مستمر لإعادة تشكيل صورتنا «المشوّهة» في الخيال الغربي، أقول برتمٍ مستمر وليس انفجاراً مؤقتاً كبركان لا يلبث أن يخمد، فردّات الفعل المتشنّجة تعتبر غالباً تبريراً لا تفنيداً!.
الذئاب من حولنا كثيرة، وجائعة، وقد علا عواؤها كثيراً، وهي لن تحترم الحملان الوديعة بل لا تبحث إلا عنها، الذئاب لا تحترم إلا ذئباً مثلها فقط!