الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد العام للقوات المسلحة، إلى الهند هي زيارة تاريخية ترسخ البعد السياسي والإنساني الذي ميز لقرون العلاقات بين الطرفين. فالعلاقات بين الإمارات والهند قديمة تمتد إلى آلاف السنين.
ولو تتبعنا تاريخ العلاقات بين المنطقتين لوجدنا أنها ترجع إلى سبعة آلاف سنة، وتغطي عدة مجالات منها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. فمن ناحية كانت الصلات التجارية بين المنطقتين عميقة وتعود جذورها إلى ما قبل الإسلام.
كما أن الوجود البشري الهندي في الخليج قديم، حيث يعود إلى القرن السادس عشر، وتزامن مع الوجود البرتغالي في المنطقة.
ومع تزايد الوجود الأوروبي، كالاستعمار البريطاني، مثلاً، تزايد الوجود الهندي أيضاً حيث اعتبر الهنود رعايا بريطانيين ولهم من الحقوق ما للرعايا الانجليز. فلا غرو أن نجد الوجود الهندي في المنطقة مترسخاً بحكم التجارة المزدهرة بين البلدين.
وقد كانت الإمارات تستورد من الهند معظم احتياجاتها الأساسية من غذاء ولباس وعطور وأخشاب وغيرها، بينما كانت الإمارات تصدر إليها عدداً من السلع كالسمك الجاف والصمغ واللبان وغيرها من السلع المنتجة في المنطقة. كما كانت الروبية الهندية هي العملة المستخدمة في المنطقة حتى النصف الأول من القرن العشرين.
وإلى جانب الروابط الاقتصادية بين البلدين فقد كانت هناك علاقات اجتماعية بين الطرفين خاصة بين أهل الإمارات ومسلمي الهند كحيدر آباد مثلاً، حيث سجلت حالات زواج بين إماراتيين وهنديات.
كما كانت العلاقات الثقافية بين الإمارات والهند ثرية، فقد درس أفراد الطبقة المثقفة من أهالي الإمارات في الهند، حيث كانت مومباي تمثل البوابة الرئيسة التي أطل منها مثقفو الإمارات على الثقافة العربية والغربية معاً، حيث كانت ملتقى المثقفين العرب بحكم وجود المطابع والمكتبات والصحف بها، وبحكم العلاقات الثرية التي تربط بين مثقفي العالم العربي عموماً.
ومنذ استقلال الإمارات كانت هناك حاجة متنامية للأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة، وبحكم الجوار الإقليمي والعلاقات التاريخية، كانت شبه القارة الهندية المصدر الرئيس للأيدي العاملة ليس فقط للإمارات ولكن لمنطقة الخليج ككل. وقد احتضنت دولة الإمارات منذ استقلالها وحتى يومنا هذا أكثر من 3 ملايين هندي على اختلاف طوائفهم وخلفياتهم الاثنية، حيث عاشوا في الإمارات في سلام، دون تمييز أو تفرقة، وعملوا في كافة المهن وعلى اختلاف درجاتها.
ويعد الميزان التجاري بين البلدين أنموذجاً للعلاقات التجارية الجيدة بين الدول الصديقة، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي 276 مليار درهم، أي ما يعادل حوالي 75 مليار دولار.
ومنذ استقلال الدولة في العام 1971، أدركت قيادتا البلدين أهمية العلاقات الثنائية وعملتا على ترسيخها وتطويرها.
فمنذ العام 1975 وحتى يومنا هذا، كانت زيارات عديدة قام بها كبار المسؤولين كالمغفور لهما بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وراشد بن سعيد آل مكتوم، وزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الهند.
كما شهدت أبوظبي زيارات عديدة لكبار المسؤولين الهنود، لما فيه مصلحة شعبي البلدين.
وقد جسدت هذه الزيارات نهج قيادتي البلدين وتوافق وجهات نظرهما حول العديد من القضايا الدولية.
وقد جاءت الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الهند في سياق تطوير وترسيخ العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات في مجال التبادل الثقافي والطيران المدني وتجنب الازدواج الضريبي ومكافحة المخدرات والطاقة المتجددة وتبادل المعلومات الأمنية.
وشكلت زيارة سموه إلى نيودلهي زيارة تاريخية لتوطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، فقد تم خلالها التوقيع على 30 مجالاً من مجالات التعاون منها تطوير البنية التحتية والفضاء والطاقة المتجددة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها من مجالات التعاون بين البلدين.
كما أنها تمهد الطريق لبدء صفحة جديدة في سجل العلاقات المتينة بين البلدين.
وتمثل المرحلة القادمة بالتأكيد فترة حافلة بالكثير من المتغيرات السياسية والتي سوف ترمي بظلالها على العلاقات الدولية.
فلا بد للدول أن تقوم بتحالفات وعلاقات ثنائية تحفظ مصالحها ومصالح شعوبها وتعود بالنفع على المجتمع الدولي ككل.
والهند صديق قديم وحليف دائم وتربطه بدولة الإمارات مصالح مشتركة وعلاقات تجارية وطيدة وعلاقات اجتماعية وثقافية متينة.