رغم كل الأهوال التي عشناها في دولنا الشرق أوسطية ومازلنا نكتوي بنيرانها حتى يومنا هذا، إلا أنه يبدو أن الأسوأ لا يزال في انتظارها خلال المرحلة المقبلة، ليس بسبب الأوضاع المتفجرة وضبابية المشهد في المنطقة برمتها فحسب، ولكن أيضاً نتيجة تطورات سياسية متلاحقة على الصعيد الدولي خلقت حالة من اللايقين تجاه الحاضر والمستقبل، حتى في أكثر الدول استقراراً، فأصبحت الأوضاع فيها مفتوحة على كل الاحتمالات.

ويبدو أن العالم لم يستطع بالفعل قياس الدرجة الحقيقية لزلزال الانتخابات الرئاسية الأميركية وتداعيات تولي دونالد ترامب سدة الحكم في البيت الأبيض، رغم كل مظاهر الخوف والقلق والتذمّر والاستياء التي سادت مناطق عدة من العالم، إلا أن الحقائق على أرض الواقع تبدو أكثر خطورة وأشد قتامة نتيجة تحولات وممارسات مفاجئة وغير متوقعة. وليس أدل على ذلك من أن ترامب نفسه بادر بنسف شهر العسل الذي كان يتمتع به أي رئيس أميركي جديد، ويمتد لمدة مائة يوم ينعم خلالها بعلاقات هادئة مع كافة المؤسسات، قبل أن ينطلق بسياساته ومواجهاته إلى الفضاء الأرحب.

يعمّق من هذا الإحساس بالتوجّس نحو المستقبل تلك الحالة التي باتت عليها أوروبا، نتيجة تطورات تعصف بهويتها، على رأسها بالقطع الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وتمدد ظاهرة «الشعبوية» السياسية، بما يهدد بطوفان من السياسات والتوجهات اليمينية والقومية المتطرفة، فإذا ما تمددت وتشعبت هذه التوجهات جنباً إلى جنب مع سياسات «أميركا أولاً» شديدة التطرف، فلا شك في أن العالم سيعاني معاناة شديدة أمام نظام مختلف وقواعد جديدة للعبة، ليصبح البحث ضرورياً والسؤال مشروعاً؛ أين مكاننا وما مصيرنا في هذه التحولات الخطيرة التي ندفع ثمن تداعياتها من دون أن نمتلك أي قدرة على صنع شيء منها أو التأثير فيها؟

وفقاً لرؤية خبراء أميركيين، فإن الشرق الأوسط سيكون المنطقة الأكثر تعقيداً في سياسة ترامب الخارجية، وحددوا قضايا ملتهبة واضحة في المنطقة تغوص فيها الولايات المتحدة بعمق، حيث سيواجه ترامب أسئلة حول هذه السياسة، إلا أنه سيلقى فقط القليل من الإجابات الواضحة، ولكن يبدو الأهم في قراءة أو استشراف الأوضاع بالمنطقة تقرير مخابرات أميركي صدر عن «مجلس المخابرات الوطني» محذراً من مستقبل مظلم وصعب قد يواجهه ترامب، إضافة إلى خطر حدوث نزاعات دولية غير مسبوقة في العالم لن تستطيع إدارته التعامل معها.

وتوقع التقرير أن «السنوات ما بين2017-2022 ستشهد صعوداً لتوترات داخلية في منطقة الشرق الأوسط وما بين دولها». وحذر التقرير كذلك من «أن المشهد الدولي الظاهر يدفع عصر الهيمنة الأميركية بعد الحرب الباردة إلى نهايته، مع توجه منطقة الشرق الأوسط إلى المزيد من التشظي والتقسيم بسبب الصراعات الدولية، وتراجع الاقتصاد وتردي بنى الدول ومؤسساتها»، مؤكداً أن «التنظيمات المتطرفة أصبحت تحل محل الدولة في حين أن المزيد من الدول قد تتوجه نحو التحالف مع موسكو، التي سيزداد نفوذها الشرق أوسطي، ليمتد إلى شمال إفريقيا وجنوبها ووسطها».

هذه التحذيرات أو التوقعات، تعني بشكل أو بآخر أن السياسة المستقبلية لترامب قد تكون أكثر تطرفاً في قضايا المنطقة بحلول أمنية ظاهرة على غرار الأمر التنفيذي إلى وزارتي الدفاع والخارجية بوضع خطة لإنشاء مناطق آمنة للاجئين المدنيين داخل سوريا وغيرها من الدول القريبة، وإذا ما أصر ترامب على إقامة هذه المناطق فقد يزيد هذا من التدخل العسكري الأميركي في سوريا، بما يمثل انحرافاً كبيراً عن نهج أوباما.

وإذا ما قرر ترامب فرض قيود على الطيران فوق هذه المناطق، فقد يتطلب زيادة في حجم القوة الجوية الأميركية أو القوة الجوية للتحالف، وقد يتطلب هذا أيضاً نشر قوات برية لتوفير الأمن. وبينما لا نجد خطة تفصيلية بأماكن أو آليات إقامة هذه المناطق الآمنة، إلا أنه ليس من المتوقع مرورها بسلاسة أو بسهولة، خاصة مع اعتراض الأطراف والدول المعنية التي اعتبرت مثل هذا التوجه انتهاكاً لسيادتها وعملا خطيراً يهدد كيانها ووحدتها، الأمر الذي سيمثل تحدياً كبيراً لأول قرارات ترامب الأمنية تجاه المنطقة.

أما التقرير الثاني المهم ويؤشر لاستمرار التورط العسكري الأميركي في المنطقة، فيتناول أول عملية عسكرية أميركية في اليمن في عهد ترامب، وهي تلك التي انتهت بمقتل مدنيين وجندي أميركي قبل أيام، ويمكن تصنيفها في خانة العمليات «الفاشلة»، نظراً لما أسفرت عنه من سقوط ضحايا أبرياء باعتراف القيادة المركزية للقوات الأميركية، بينما كشف تقرير مجموعة الأزمات الدولية أن العملية أدت إلى مقتل «العديد من المدنيين بينهم على الأقل عشر نساء وأطفال»، بالإضافة إلى رجال من القبائل المحلية، واعتبرت المجموعة المستقلة التي تحلل النزاعات حول العالم أن العملية «لا تبشر بالخير» في الجهود المبذولة من أجل «مواجهة القاعدة في جزيرة العرب بذكاء وفعالية»، لأنها تعزز حجة التنظيم الإرهابي الذي يزعم أنه «يدافع عن المسلمين ضد الغرب».

وتكمن أهمية التقريرين في أنهما يكشفان عن حقائق مريرة عن الأوضاع المستقبلية للشرق الأوسط والتوجهات الأميركية في عهد ترامب نحوها، وعن مقاربات وحلول أمنية أكثر صرامة قد تنتهي بنتائج كارثية تفوق ما حدث من قبل، وتبقى المسألة الإيرانية هي الأكثر إثارة للترقب والاهتمام في ضوء تصعيد ترامب الكبير ضد طهران، خاصة بعد تجربة الصاروخ الباليستي الإيراني. والمعروف عن مرتكزاته السياسية في هذه المسألة اعتمادها حتمية الوقوف أمام المحاولات الإيرانية لدفع المنطقة لحالة عدم الاستقرار والسيطرة عليها.

فإيران- من وجهة نظره- تمثل خطراً على المنطقة وتهدد استقرار دول المنطقة وتدعم «تنظيمات إرهابية» كحزب الله وحماس، وانطلاقاً من ذلك يرى ضرورة إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران، لأنه «اتفاق كارثي» على حد وصفه، ومن ثم لا بد من إلغاء الاتفاق أو إعادة النظر فيه مرة أخرى لتعديله، لأنه لا يمثل المصالح الأميركية ويضر بأمن إسرائيل ومصالحها بشكل مباشر، وعلى أقل تقدير فلا بد من وضع محددات بخصوص الاتفاق تضمن وضع إيران تحت المساءلة بشكل تام، ويعزز من عدم محاولة إيران اختبار أسلحتها والذي لم ينص الاتفاق على منعه، وكذلك يدعو إلى تفكيك «شبكات إيران الإرهابية العالمية»، فإذا كانت إيران تملك شبكة قوية فالولايات المتحدة تستطيع بقوتها السيطرة على إيران، وفقاً لمرتكزات ترامب.