بارتياح كبير، تلقى الجميع أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن يؤدي مرتكبو مخالفة القيام بحركات استعراضية خطرة بسيارتهم في منطقة «سيتي ووك» بدبي، وهم سائق السيارة ومن كانوا معه داخلها، عقوبة بديلة تتمثل في إمضاء 4 ساعات يومياً في تنظيف الشوارع العامة في دبي لمدة شهر واحد، وذلك على سبيل الخدمة المجتمعية، لتعويض ما تسبب به هؤلاء المتهورون من أضرار مادية ونفسية من ترويع للمارة، وتهديد لسلامتهم.
لدينا في دولة الإمارات العربية المتحدة مدن جميلة، وشوارع فسيحة، ومراكز تسوق ومرافق وأماكن سياحية رائعة، تجتذب المواطنين والمقيمين والزائرين من كل مكان، ولدينا سلطات أمنية تتعامل مع الجميع بأسلوب راقٍ قلّما نجده في دول وأماكن أخرى كثيرة، فلماذا يحاول البعض تشويه هذه الصورة الجميلة التي يبنيها قادة هذا البلد وشعبه والمقيمون على أرضه؟
لا شك أن الذين يفعلون ذلك عابثون يعانون أمراضاً وعقداً، ويحتاجون علاجاً نفسياً وتربية أخلاقية يعيدانهم إلى جادة الصواب، لحمايتهم من أنفسهم، ولحماية المجتمع منهم، ومن الممارسات التي يقومون بها ليفسدوا على الناس بهجتهم ومتعتهم وراحتهم.
هل يعتقد هؤلاء المتهورون أنهم يستحوذون على اهتمام الناس بمثل هذه الحركات الاستعراضية الخطرة، وينالون إعجابهم؟ أم تراهم ينفّسون عن عقد استقرت في نفوسهم وتسلطت على عقولهم، ولم يجدوا وسيلة يعبّرون بها عن هذه العقد سوى هذه الاستعراضات المجنونة، مهددين بذلك حياة الناس وسلامتهم، معرضين المنشآت والمرافق للخطر، ضاربين عرض الحائط بالقوانين والأخلاقيات والقيم التي تربى عليها أبناء هذا البلد، والتي ترسخت بين أفراد المجتمع عبر أجيال ممتدة، لم يعرف أحد عنها سوى سموّ الخلق، والسلوك الحسن، وعدم تعريض حياة الناس للخطر؟
واضح أن هناك خللاً ما في تربية هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأعمال، وهو خلل يشترك في المسؤولية عن علاجه البيت والمدرسة والمجتمع على حد سواء.
لذلك فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، حين أمر بأن يؤدي مرتكبو هذه الأعمال المرفوضة من الجميع الخدمة المجتمعية، فهو إنما أراد بذلك أن يعيد تربيتهم، وأن يهذب نفوسهم، وأن يجعلهم يشعرون بمدى أهمية الحفاظ على حياة الناس وعدم تعريض سلامتهم للخطر.
وأهمية الحفاظ على المرافق العامة والممتلكات وعدم العبث بها، وأهمية المحافظة على القيم والأخلاقيات العامة التي تربى عليها المجتمع، وأهمية الالتزام بالقوانين التي تنظم استخدام الطريق وعدم الاستهتار بها، لأن الاستهتار بهذه القوانين لا يعرض حياة الآخرين فقط للخطر، وإنما يعرض حياة العابثين والمستهترين أنفسهم.
لو كنت مكان أولياء أمور وأهل هؤلاء الذين قاموا بهذا العمل المستهجن، مهما كانت أعمارهم، لشكرت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على القرار الذي اتخذه، ولطلبت من سموه أن يأمر بأن يمضوا فترة مماثلة في أقسام الحوادث بالمستشفيات وغرف المرضى، ليروا بأعينهم ضحايا حوادث السيارات والاستعراضات التي تزهق أرواح بعضهم.
وتحوّل بعضهم إلى معاقين يقضون ما تبقى من حياتهم في الأسرّة أو على الكراسي المتحركة، نتيجة السرعة الزائدة والتهور الذي يمارسه أمثالهم ممن يعتقدون أنهم يملكون الطريق وحدهم، يستعرضون فيه مهاراتهم القاتلة، ويمارسون فيه عقدهم النفسية، غير آبهين بحياة الناس وسلامتهم.
ولطلبت من سموه أيضاً أن يأمر بأن يقضوا فترة مماثلة في غرف عمليات الشرطة، وداخل سيارات الدوريات التي تجوب الشوارع كي تحفظ الأمن في هذا البلد، ليعرفوا مقدار الجهد الذي يبذله رجال الأمن كي يوفروا للناس حياة هانئة، وشوارع آمنة، تفتقدها الكثير من البلدان.
وتأتي الشعوب من كل أقطار الدنيا كي تنعم بها هنا في بلدنا، ثم تعود لبلدانها حاملة معها قصصاً، يحسبها البعض ضرباً من الخيال، عن هذا البلد الآمن، الذي يتعاون قادته وشعبه والمقيمون على أرضه كي يحافظوا على صورته الجميلة، ويصل مسؤولوه الليل بالنهار ساهرين على أمنه واستقراره، وبعد هذا كله يأتي هؤلاء المتهورون ليشوهوا هذه الصورة الجميلة بحركاتهم الصبيانية هذه، واستهتارهم الذي لا مبرر له سوى فقدانهم للتربية الأخلاقية السليمة.
قادة دولة الإمارات يضربون كل يوم المثل والقدوة في الالتزام بالقوانين وعدم تجاوزها، وفي مقطع الفيديو الذي تم تداوله الأسبوع الماضي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وهو ينتظر أن تفتح الإشارة الخضراء له الطريق كي يعبر الشارع سيراً على الأقدام، في هذا المقطع خير مثال على التزام هؤلاء القادة بالقوانين واحترامهم لها.
فكيف لمن هم دونهم أن يكسروا القوانين ويضربوا بها عرض الحائط، ويعبثوا بحياة الناس، ويعرضوا الممتلكات والمرافق للخطر، ويتجاوزوا الأخلاق والقيم المتعارف عليها، وينشروا الفوضى في هذا المجتمع القائم على الاحترام والتواد والتراحم منذ الأزل؟!
إنه درس أخلاقي كبير، من قائد ومربٍّ عظيم يقدم لنا كل يوم دروساً في التعامل مع قضايا المجتمع، قبل أن يكون عقوبة مستحقة لجرم كبير في حق المجتمع، واختراقاً للقوانين والأعراف المعمول بها منذ أن نشأت المجتمعات الأولى عليها، وسوف تبقى هذه القيم والأخلاق هي الركيزة الأولى للعلاقات التي تحكم بين أفراده. وعلى كل من يجد نفسه غير قادر على الالتزام بهذه القيم والأخلاق والقوانين أن يختار لنفسه بلداً غير هذا البلد، ومجتمعاً غير هذا المجتمع، لأنه لا مكان لعديمي التربية الأخلاقية بيننا.