بعد أسابيع قليلة من تولي الرئيس الأميركي الجديد، صار الكثيرون يتساءلون عن القرارات، التي اتخذها ترامب منفرداً، سواء في ما يتعلق بقرار بناء الحائط مع المكسيك أو قرار حظر السفر على أبناء سبع دول ذات أغلبية مسلمة.

يقول المتسائلون إننا طالما سمعنا التعبير الشهير«الرقابة والتوازن»، والذي يشير للعلاقة بين المؤسسات السياسية الأميركية، بما لا يسمح لأي منها بالانفراد بصنع القرار، ويسألون، أين هي، إذاً، تلك الرقابة؟ أليست قرارات ترامب التي اتخذها منفرداً معناها أن الرئيس الأميركي، كغيره من الرؤساء فى دول أخرى، بإمكانه اتخاذ القرار وحده دون أن تراجعه المؤسسات؟

الحقيقة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستخدامه للقرارات التنفيذية لم يقم بشيء غير مألوف على الساحة الأميركية، فاستخدام الرئيس الأميركي للقرارات التنفيذية ليس استثناء.

وإنما هو أمر معتاد بل وقديم قدم التجربة الأميركية ذاتها، بل إن الكثير من الأمور المشهورة فى تاريخ الولايات المتحدة تأسست وفق قرار تنفيذي للرئيس، فمنها على سبيل المثال «إعلان التحرير» الذي أصدره الرئيس إبراهام لينكولن لإلغاء العبودية بعد الحرب الأهلية، ومنها أيضا قرار فرانكلين روزفلت إبان الحرب العالمية الثانية باحتجاز الأميركيين من أصول يابانية فى معسكرات اعتقال.

القرار التنفيذي هو نوع واحد، ضمن مجموعة من الوثائق الرئاسية تسمى «التوجيهات الرئاسية المنفردة». والتعريف الجامع لها هي أنها فى الأصل عبارة عن وثائق يصدرها الرئيس لتوجيه أنشطة الحكومة الفيدرالية وتنظيم عملها.

الكونغرس هو الذي يصدر القوانين بشكل بالغ التفصيل وله أيضاً حق الرقابة، وقادر على التحكم فى أداء الهيئات المختلفة التابعة للجهاز التنفيذي، ومن هنا، توفر «التوجيهات الرئاسية المنفردة» بأنواعها أداة مستقلة فى يد الرئيس، تمكنه من فرض إرادته، ويستطيع من خلالها أن يؤثر بشكل قوى على عمل المؤسسة التنفيذية بهيئاتها المختلفة.

وبهذا المعنى تحديداً، تستلهم تلك التوجيهات روح الدستور، فالذين قاموا على كتابته أرادوا فى أن يكون الكونغرس، لا الرئيس، هو القلب من عملية صنع القرار، بينما يستطيع الرئيس التأثير على العملية السياسية عبر أداتين، أولاهما التعيينات للمناصب الفيدرالية المختلفة، ومن خلال اختيار الشخوص يمكن للرئيس التأثير على تنفيذ السياسة، أما ثانيهما فهي تنفيذ القوانين، التي يصدرها الكونجرس.

القرارات التنفيذية التي استخدمها ترامب هي إحدى أنواع «التوجيهات الرئاسية»، ووظيفتها الأصلية منذ نشأة الدولة الأميركية هي توجيه الوزارات والهيئات المختلفة التابعة للحكومة الفيدرالية، بشأن كيفية تنفيذ قانون بعينه، لكن مع الوقت ومن حيث الواقع العملي، صار للقرارات التنفيذية أهداف أخرى.

حيث صار الرؤساء الأميركيون يلجأون لها بعد فشلهم فى إقناع الكونغرس بالإقدام على التشريع لسياسة معينة، يفضلها الرئيس، أو يستخدمونها حين تتوتر علاقتهم بالكونجرس، غير أن قصة القرارات التنفيذية فى أميركا المعاصرة هي نفسها فى الحقيقة قصة التوسع الهائل الذي طرأ على صلاحيات الرئيس وسلطاته خصوصاً منذ أحداث سبتمبر 2001.

والقرارات التنفيذية ليست مجرد بيان يحدد تفضيلات الرئيس وإنما هي ملزمة ولها قوة القانون، وهى فى الأغلبية الساحقة من الحالات تصدر وتنفذ دون أن يشعر بها أحد كونها محدودة النطاق أو ليست محل جدل، لكن بعد أن ارتفع الاستقطاب السياسي فى أميركا، صار توسع الرئيس فى استخدام التوجيهات الرئاسية مثيراً للجدل فى حد ذاته، خصوصاً مع التوسع الهائل فى صلاحيات الرئاسة، منذ أحداث سبتمبر.

صحيح أن القرارات التنفيذية لها قوة القانون إلا أنها من حيث الواقع العملي ليست متساوية مع القانون الصادر عن الكونغرس من ناحية، وهى خاضعة لرقابة كل من الكونغرس والقضاء من ناحية أخرى، فلا يمكن للرئيس مثلاً أن يصدر قراراً تنفيذياً مخالفاً لقانون صادر عن الكونغرس، وموجود بالفعل، وللكونغرس أن يرفض توفير المال اللازم لتنفيذ قرار تنفيذي بعينه أو إصدار قانون يلغيه.

وبإمكان المحاكم الفيدرالية هي الأخرى أن تلغى قراراً تنفيذياً تجده ينتهك حقاً دستورياً أو تجده متعارضاً مع الدستور، لكن تصدى الكونغرس والقضاء للقرارات التنفيذية، هو الاستثناء لا القاعدة، ولا يحدث إلا عندما تكون تلك القرارات مثيرة للجدل، مثلما هو الحال مع القرارات التنفيذية، التي أصدرها ترامب.