تعتبر إدارة دونالد ترامب أن الخطر الإرهابي المتعلق بالإسلام يشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة. وليس هناك دليل أبلغ على ذلك من التعيينات الرئاسية للمناصب الوزارية، التي تدل على الاهتمام الأمني للإدارة الوليدة.
لقد بلغ عدد الجنرالات في المناصب الوزارية المعينين أربعة وهم: جون كيلي وزير الأمن الداخلي، وجيمس ماتس وزير للدفاع، ومستشار الأمن القومي مايكل فلين، والذي استقال الأسبوع الماضي، وحل محله الفريق هيربرت مكماستر، وهو لا يزال في الخدمة العسكرية.
اندفاع إدارة ترامب بإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام خلق ردة فعل قوية على مستويات عدة، فقد قامت احتجاجات شعبية على منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة.
كما انتقد السياسات الجديدة للإدارة كثير من الشخصيات السياسية والأكاديمية والقانونية، ومن ضمن التصويبات، التي قام بها العديد من أفراد المجتمع المدني، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة الأميركية دراسة مستفيضة حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع التطرف، وجماعات الإرهاب المدثرة بعباءة الدين الإسلامي.
وقد نشرت دراسة بعنوان «إعادة التفكير في التهديد للإسلام المتطرف: التغيرات المطلوبة في استراتيجية الولايات المتحدة»، والتي خطها الباحث الاستراتيجي المعروف أنثوني كوردسمان، وتحض الدراسة الولايات المتحدة وحلفاءها العرب والأوروبيين إلى ضرورة إعادة التفكير في القتال ضد الإرهاب، وأن ينظروا إلى هذا الصراع في نطاق أوسع من الصراعات الدائرة في المنطقة المتمثلة في النزاع بين السنة والشيعة وإيران والدول العربية، كما ترى الدراسة أن من الواجب النظر إلى هذا الصراع ليس كونها استراتيجية لمكافحة الإرهاب وحسب، ولكن كونها مقاربة شاملة، تتلمس جذور الإرهاب والتمرد في العالم الإسلامي.
وقد ركز التقرير على نقاط عدة مهمة، تتعلق بتطور القدرات الأميركية على مكافحة الإرهاب وتكثيف العلاقات مع الدول الإسلامية لإعطاء أهمية لمحاربة الإرهاب.
ورغم أن الإرهاب يهدد الدول الغربية إلا أنه يشكل تهديداً أكبر على العالم الإسلامي، وظاهرة الإرهاب تمثل حسب ما جاء في التقرير صراعاً ليس بين الحضارات حسب الزعم المعروف، ولكن ضمن الحضارة الواحدة، فالمجتمع المسلم يتكون غالبيته من المعتدلين وإن المتطرفين في صراع مع هذه الأغلبية.
من المهم الوعي بأن الصراع الدائر بين المسلمين المعتدلين والمتطرفين صراع مهم بالنسبة للولايات المتحدة، وأهم من الحرب الدائرة بين التحالف الدولي وداعش؛ وهنا يكمن أهمية التحالف، التي صاغته الولايات المتحدة مع الدول الإسلامية، وعندما تحاول الدول الغربية عزل نفسها عن الدول الإسلامية في محاربة الإرهاب فإن مآلها الفشل.
وحذر التقرير من السياسات التي تساوي بين جميع المسلمين وتنعتهم بالإرهاب؛ والتعامل مع المسلمين على أساس أنهم كلهم أعداء في إشارة غير خفية للإدارة الحالية، ويدعو التقرير إلى تجديد التحالف مع الأغلبية المسلمة المعتدلة لمحاربة التطرف، وهنا تلوح فرصة سانحة للدول الإسلامية لتطوير منهج لمكافحة التطرف والتفاهم مع الدول الغربية إلى صيغة لإحلال الاستقرار في المنطقة.
ويأخذ بعين الاعتبار مصالحها الاستراتيجية، وكما يقول التقرير فإن غاية المنظمات المتطرفة ولا سيما داعش هو إحداث شرخ بين المسلمين وبقية الأمم، وإشعال حرب لا هوادة فيه بين اتباع الديانات الأخرى والمسلمين.
ويستحضر التقرير الحالة التاريخية عندما أخذ أفراد يعيشون في الولايات المتحدة، بسبب ظروف الدول التي هاجروا منها مثل الألمان والإيطاليين واليابانيين، وقد هوجم الأميركيون من أصول ألمانية وإيطالية في أميركا أثناء الحرب العظمى.
كما ُوضع اليابانيون في معتقلات خلال الحرب العالمية الثانية. وينبه التقرير إلى أن استطلاعات الرأي العام بين المسلمين تشير إلى أن غالبية المسلمين يدينون التطرف والعنف، وأن غالبية الحكومات الإسلامية شركاء في محاربة الإرهاب.
وكما نرى فإن مركزاً بثقل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يقر بما قد يبدو للبعض بديهياً، ولكنه مهم في السياق الأميركي والذي تنتشر فيه ظاهرة الإسلاموفوبيا، خاصة هذه الأيام، وحري بالإعلام العربي والإسلامي بتشكيل شبكات تواصل مع هذه المراكز، لتشجيع الدراسات الموضوعية حول الإسلام والمجتمعات المسلمة، وخاصة أن التقرير يدعو الإدارة الجديدة لتجديد الشراكة الاستراتيجية مع الدول الإسلامية لمكافحة التطرف، وإثبات أن الولايات المتحدة حليف يثق به من قبل عموم المسلمين.
وهناك الكثير من الأشياء التي تستطيع الولايات المتحدة القيام بها في هذا المجال: فتعزيز القدرات الأمنية للدول الإسلامية ومساعدتها لمواجهة مخاطر التطرف يعد أمراً مهماً، كما يقول التقرير.
كما يجب التعاون بين الولايات المتحدة والشركاء المسلمين لمعرفة الأسباب الحقيقة لظاهرة التطرف، وعلى ما يقول التقرير فإن الغرب ومعه الدول الإسلامية يركزون على الظاهرة، وليس على جذور الإرهاب والتطرف؛ فالمنظمات الإرهابية ما هي إلا ظاهرة، ويجب البحث في جذور التطرف.
ويشير التقرير إلى أن كثيراً من الاهتمام ينصب على الإرهاب دونما الالتفاف للدوافع المهمة لهذه الظاهرة، فعوامل عدم الاستقرار السياسي، والبطالة، والنمو السكاني، وانعدام الحكم الرشيد، والانقسامات الطائفية كلها مسببات لظاهرة التطرف، وعلى الدول الغربية والإسلامية معالجة هذه العوامل إذا ما أرادت القضاء على ظاهرة التطرف.
إن تقريراً كهذا يعد متزناً ومنصفاً، يدعو إلى التأمل والبحث عن صيغ مشتركة مع الدول الغربية، لإيجاد حلول على المديين القريب والبعيد.