في مجموعتها القصصية الثانية، الصادرة عن دائرة الكتب الوطنية التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، استطاعت كاتبة أدب الأطفال الإماراتية عائشة الظاهري بأسلوب سردي قصصي حالم أن تغوص في وجدان الطفل، سرد يقدح التفكير والمنطق الأخلاقي الإنساني الذي يؤطر سلوك الإنسان في حياته ومجتمعه.

كما يؤسس هذا السلوك ليس فقط لمدينة فاضلة وإنما لعالم أجمل وأكثر سلاما. فالكتاب ليس قائمة صماء لنصائح وقيم منشودة، وإنما سرد حيّ لأحداث تستبطن الخير والجمال والحق لدى شخصيات هذه القصص. وتنوعت أحداث القصص في جغرافيتها وثقافاتها وأجناسها، لتصلح لكل زمان ومكان.

لقد بدا قطار الأحلام السبعة وكأنه رحلة الأمل يتصاعد من حلم إلى آخر وصولا إلى محطة الوطن الأخيرة حيث تتحقق الأحلام ويدرك الطفل معنى الخير من خلال تجربته بارتكاب الخطأ في الواقع وثمرة الصواب في الحلم. اشتملت مجموعتها القصصية «سبعة أحلام على متن قطار وقصص أخرى» على فضائل وشمائل نبيلة.

تم بناؤها في نصوص تتماثل في التركيب حيث يسهل على الطفل أن ينتقل من محطة (فضيلة غائبة) إلى أخرى، وإن كان للسفر والأمكنة دهشتها في المجموعة القصصية، فللأحداث دهشتها الكبرى لدى القارئ.

بل في بعض القصص، استطاعت الكاتبة أن تبني دهشة متصاعدة لم يتوقعها القارئ على الرغم من التشابه البنيوي في «الأحلام السبعة»، فيكون التأثير على القارئ طفلا أو أبا أكثر تأثيرا وعمقاً واستدامة في السلوك والوجدان.

وهذا ما حدث لدى الطفلة سارة التي رافقت والديها في رحلة القطار. ومن المؤكد أن اختيارا ذكياً لاسم «سارة» بطلة للسبعة أحلام، فهو اسم غارق في المحلية إلا أنه أيضا عالمي، وهي إشارة من الكاتبة إلى العمق الإنساني لهذه المجموعة القصصية. لقد كان اختيار موفقاً إذ إنه اسم محايد ولكنه في الوقت نفسه ليس كذلك.

ومن الدلالات على العالمية قدرة الكاتبة على الترحال في الجغرافيا والأمكنة والثقافات دون ذكر اسم مدينة أو حي، الأمر الذي يؤكد أن المسألة مرتبطة بالإنسان في كل مكان بغض النظر عن جنسه ومنبته.

بدا واضحاً التأثر بالأدب العالمي، لذا تميزت هذه المجموعة القصصية بكلاسيكيتها في أفكارها وبعض أبطالها أمثال الساحرة الشريرة والولد الذكي الجريء، الحورية المجنّحة، والأمير الذي تعلم لغة الحيوانات فأنقذ شعبه، الفتاة النجمة وزوجة الأب اللئيمة..

كلاسيكيات حملت الحكمة والجرأة والذكاء، التسامح، محبة الآخر، الحِلْم، عشق الطبيعة، احترام الآخر أياً كان، العدالة والتساوي، والصدق والنزاهة، الحق والعطاء. وغيرها من المفاهيم والقيم التي تشكل منظومة الأخلاق والمحبة بين البشر وأهميتها أنها تُزْرَع في الصّغر ليس بالنصيحة في قائمة مدرسية وإنما بنسيج قصصي يتم توظيف الأحداث والشخصيات بتفاصيلها لخدمة الفكرة والقيمة.

تميّزت اللغة في المجموعة القصصية بالبساطة والقوة ليس بمفرداتها فحسب وإنما بالتشبيه والبلاغة غير المعقدة التي يسهل على الطفل استيعابها بمتعة القراءة أو الاستماع لها بصوت أمه قبل النوم.

فيجد القارئ جملاً قصيرة ومباشرة وتشبيهات استمدت روحها من بيئة القصة ذاتها، الأمر الذي يجعل الطفل قادرا على استعادة الفكرة بعمق الدلالة المقرونة بتفاصيل الحدث والسرد السهل والدرامي، وبذلك يزداد تماسك القصة والتأثير المتكامل على القارئ، بل يمكن القول إنه يتجدد إنْ قرأ الطفل القصة للمرة الثانية، وهذا يعطي القصة جمالا وإنارة واسعة.

في عدد من القصص من المجموعة، نجحت الكاتبة في بناء حبكة تقوم على إشكالية الذات مع الآخر من خلال تمدد الذات وتجاوزه على حساب الآخر، إلا أنها استطاعت أن تبني أكثر من عقدة تمويهية يظنها القارئ أنها النهاية، إلا أن الدهشة الحقيقية تكون في اكتشاف الحقيقة، عبر أحلام الفتاة التي مثلت الواقع المثالي للتعامل بين الناس على اختلاف مشاربهم.

وإذا كانت العقدة هي إشكالية التفاعل مع الآخر، فإن دهشة حلّها جاءت في مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ وتصحيحه، ولأن هذا النهج يكاد يكون صعبا بل قاسيا على العديد من البشر في واقع الحياة، ارتأت الكاتبة أن تضعه في سياق الحُلُم ولكنه لا يستحيل تحقيقه، إذ إن الورد بألوانه المختلفة التي يقدمها المظلومون في أحلام سارة هي إشارة الأمل والمحبة.