تأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي العبادي لواشنطن، بدعوة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ظروف استثنائية، فالإدارة الأميركية الجديدة لها رؤى مختلفة حول العديد من القضايا العالمية، ومن ضمنها، ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، التي أسهم العراق بصياغة جزء مهم من ماضيها المثير للجدل، ويقبع في بؤرة تعقيدات حاضرها الملتهب.

تأتي هذه الزيارة بعد أن حصل العراق على امتياز من إدارة ترامب، وهو استثناؤه من قائمة الحظر المؤقت على مواطنيه المسافرين إلى الولايات المتحدة، الذي فرض على سبع دول.

يمكن تفهم أهمية هذه الزيارة للطرفين، الأميركي والعراقي، في سياق الترتيبات التي تجريها إدارة الرئيس ترامب لمرحلة جديدة في العراق والمنطقة، وأبرز محاورها، تشديد وتسريع الحرب على الإرهاب، والتصدي للنفوذ الإيراني ومستقبل الوجود الأميركي في العراق، الذي جرى التمهيد له بزيارة وزير الدفاع الأميركي، وبدفعات القوات الأميركية التي بدأت تصله تباعاً.

والحقيقة أن ما رشح عن الاجتماعات واللقاءات التي أجراها العبادي، ليس فيها ما يستوقف، فالبيان المشترك الذي صدر في نهاية الزيارة، لا يعدو الإشارة إلى أن الولايات المتحدة جادة في دعم العراق، وأن الطرفين ملتزمان باتفاقية الإطار الاستراتيجي. إلا أن ما رشح عن الاجتماع المغلق الذي عقده العبادي مع الرئيس ترامب، وهو الأكثر أهمية، لا يتعدى دائرة التكهنات.

الولايات المتحدة تضع الحرب على تنظيم داعش، في إطار أوسع، وهو الحرب على الإرهاب في العالم، مهما اختلفت مسمياته ومصادره، لذلك، ترى أن القضاء على هذا التنظيم في الموصل ثم في الرقة ليس نهاية لهذه الحرب، فلا يمكن هزيمة داعش والإرهاب عموماً، ما لم تكن هناك رؤية واضحة لمرحلة ما بعد ذلك.

لقد أشار الرئيس ترامب في حديثه مع العبادي، إلى ضرورة الوجود العسكري الأميركي في العراق، من خلال انتقاد سلفه الرئيس السابق أوباما، لإخفاقه في التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يسمح للقوات الأميركية بالبقاء.

إلا أن العبادي لم يجد في ما قاله ترامب ما يشجع على التعليق والخوض في التفاصيل، وذلك لحرج الموقف وحساسيته لدى بعض الأطراف السياسية الحليفة له من جهة، ولأنه يضع العراق في موقف يزعج إيران إلى حد بعيد من جهة أخرى.

بعد القضاء على تنظيم داعش وطرده من المدن التي سيطر عليها، ستواجه الإدارة الأميركية، بصفتها الدولة التي تزعمت الحرب على الإرهاب في العالم، أسئلة صعبة حول مدى عمق وسعة المشاركة في إعادة إعمار العراق، وتحقيق الاستقرار والإصلاحات السياسية الضرورية لتحقيق ذلك.

وضمان ألا يصبح العراق مجدداً أرضاً خصبة لظهور جماعات مسلحة أخرى. إلا أن الطرفين لم يتطرقا لهذا المحور الهام، وكأن إدارة الرئيس ترامب، التي قادت الحوار وطرحت محاوره، قد تجاهلت التطرق إليه، موحية للعبادي أن مشاركتها رهن بمدى استجابة العراق لمطالبها.

اختلفت التحليلات السياسية بشأن تقييم نتائج هذه الزيارة بين من اعتبرتها ناجحة وبين من لم ترَ ذلك، إلا أن من السابق لأوانه، الحكم عليها ما لم تتضح بعض نتائجها، فما سيحدث في القادم من الأيام، سيحدد ذلك.

والحقيقة أن هذه الزيارة لم تسهل للعبادي اتخاذ قرارات يرتضيها أو يتمكن من اتخاذها، قدر ما تركته أمام واقع محرج ومعقد، قد يرسم مستقبله السياسي الذي أصبح رهن نجاحه بإقامة علاقة إيجابية مع الإدارة الأميركية، إذ لم يعد بوسعه الاستمرار في إمساك العصا من منتصفها.

ولكن بعيداً عن المزايدات السياسية وعن توازنات الربح والخسارة، سيجد العبادي، واستناداً إلى قناعات خبراء عراقيين، أن هناك ضرورة للوجود الأميركي إلى حين للقيام بما ليس بمقدرة القوات العراقية القيام به من عمليات خاصة وجهد استخباري.

إضافة إلى الاستمرار بتدريب القوات المسلحة العراقية، وفق العقيدة العسكرية التي تنسجم مع السلاح الأميركي، الذي أصبح سلاحاً رئيساً لدى الجيش العراقي.