ما أن تحدث عملية إرهابية في الغرب حتى تدور التكهنات والتأويلات والتي توجه لهدف واحد ألا وهو الأصولية الإسلامية. لقد خلق الإعلام الغربي في العالم بأسره حالة مرضية جديدة هي الخوف من الإسلام، وهي الحالة التي أصبح الغرب وخاصة في العقدين الأخيرين يطلق عليها «الإسلامفوبيا».
في تأجيج هذه الحالة لعب الإعلام الغربي دوراً كبيراً من خلال تضخيم الصورة وفي تأجيج النفوس ضد الإسلام كدين وثقافة وأسلوب حياة. وكرد على هذا التخوف بدأت الدول الغربية وبالتحديد من خلال المطارات والجمارك في مراقبة المنافذ وتشديد الإجراءات الموجهة نحو القادمين من الدول الإسلامية بالتحديد.
الإجراءات التي طبقتها الولايات المتحدة تجاه رعايا بعض الدول الإسلامية ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة هو دليل على ذلك.
ومن الأدلة الأخرى التي تحتاج إلى توضيح قوي هي تلك الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة أخيراً بشأن دخول الأجهزة الإلكترونية كالحواسيب الكبيرة وغيرها، وهي التي طبقتها أميركا على القادمين من ستة مطارات عربية. هذه الإجراءات تخلق ردة فعل قوية ليس فقط في الدول الإسلامية، ولكن حتى داخل الدول الغربية نفسها.
الإسلامفوبيا قضية حاولت وسائل الإعلام الغربية توظيفها، بل وتسييسها لخدمة مصالح قوى كبرى ونجح الإعلام الغربي في دفع دفة الصراع تجاه دول معينة. وعلى الرغم من أن الإرهاب الموجود الآن عالمياً هو جزء من لعبة سياسية - إعلامية كبرى ساهم الإعلام الغربي في صياغة أجزاء كثيرة من فصولها، إلا أن بعض دول المنطقة ساهمت فيها أيضاً إما عن اقتناع بأيدلوجية معينة وإما عن جهل بأهدافها النهائية.
وما أن تضخمت فكرة الإسلامفوبيا حتى وجدنا أن العديد من الدول الإسلامية قد تم الزج بها داخل تلك الدائرة، إما عن عداء واضح لها وجهل بقيمها، وإما عن اقتناع بأن تلك الدول قد ساهمت في تمويل الإرهاب.
العملية الإرهابية الأخيرة في لندن كانت أنموذجاً لكيفية تصوير الإعلام الغربي للعمليات الإرهابية. فقد ربطت وسائل الإعلام بين تنامي الهجمات الإرهابية على الغرب وبين تنقلهم من عدة مطارات عربية. الإعلام الغربي كان يظهر المطارات العربية ويركز على المسافرين المسلمين فقط والذين يمكن التعرف إليهم من طريقة زيهم مثلاً. هذه الصور النمطية توضح بجلاء ما يقصده الإعلام الغربي من الربط بين بلداننا الشرقية والإرهاب الذي يضرب العالم حالياً.
لم يظهر الإعلام الغربي ذلك الرابط الذي يربط الغرب مثلاً، وإيجاد وتمويل واستمرارية المنظمات الإرهابية التي تعيث فساداً في العالم الآن. العديد من تلك المنظمات الإرهابية هي في واقع الأمر من صنع المخابرات الغربية التي خلقت تلك المنظمات في وقت ما لخدمة أغراضها السياسية والعسكرية. ولكن الدول الغربية سرعان ما تخلت عن تلك المنظمات بعد أن استنفذت أغراضها منها، أو ربما لأن تلك المنظمات سرعان ما غيرت اتجاهاتها السياسية والأيدلوجية مثلاً.
الإعلام الغربي دخل في اللعبة ليس لأنه إعلام مسيس، ولكنه إعلام تجاري موجه. ففي فترة ما عندما كانت الحكومات الغربية محايدة ومؤيدة لتلك المنظمات كان الإعلام الغربي مؤيداً لها أيضاً ويعلي من شأنها ويدافع عنها ولكن ما انقلبت الحكومات الغربية على تلك المنظمات، وغيرت من مواقفها، حتى جارى الإعلام مواقف حكوماته الرسمية، وبدأ ناقداً لها ولعملياتها. ومن هنا، يمكننا القول بأن الإعلام الغربي يجيد اللعب على أوتار كل قضية مثيرة للاهتمام العالمي.
إن الإعلام سلاح ذو حدين يمكنه أن يكون سلاحًا يعري الظلم ويدافع عن المظلوم وينتقد الظالم، ويمكنه أيضاً أن يكون أداة يمكن توظيفها لطعن المظلوم ونصرة الظالم. وقد أجادت معظم وسائل الإعلام الغربية هذه اللعبة في مختلف الفترات التاريخية وخاصة فيما يخص القضية الفلسطينية مثلاً. فالإعلام الغربي يدرك جيداً بأنه جزء من لعبة عالمية لا يمكنه إلا وأن يلعبها حسب تخطيط مسبق وإرادة دولية، كما أن توظيف الإعلام ليلعب دوراً لخدمة مصالح ما أو مصالح مضادة هي لعبة أممية قديمة أجاد البعض استخدامها وأجاد البعض تسييسها لخدمة أغراض أيدلوجية وعسكرية وسياسية.
انتباه العرب لهذه القضية جاء متأخراً، وعلى الرغم من ذلك فإن الإعلام العربي والشرقي عموماً لا يزال دون المستوى في ما يخص مقارعة الإعلام الغربي بالحجج والبراهين. إنها لعبة أجادها الغرب منذ القدم.