على امتداد الغرب، لايزال النظام القديم ينهار في وجه الهجمات من جميع الاتجاهات.
الاستياء من الوضع الراهن يقدم مستويات معيشة راكدة، ويؤدي إلى تفشي انعدام الأمن، وتدني مستوياته، وانخفاض المخصصات الاجتماعية، وكلها أمور تجد وقعاً لها في اليسار المتطرف وكراهية الأجانب، ومع الانتخابات الرئاسية الوشيكة فقد تخرج فرنسا عن هذا السيناريو أو هكذا يأمل الوسطاء المحاصرون.
يميل بعض الذين ينتمون إلى أحزاب الوسط بدرجة أكبر إلى عالم تسعينيات القرن العشرين، عندما كان هناك انتصار »ثالث« حققه الديمقراطيون الاشتراكيون في بريطانيا وفرنسا وألمانيا؛ بينما كان هناك آخرون أكثر تعاطفاً مع هيمنة رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون أو السياسي المحافظ جورج أوزبورن.
وعلى أي حال، يتأمل الجميع أن يعيد انتصار ماكرون تثبيط المنتمين إلى الوسط السياسي على امتداد الغرب، إلا أن تصاعد المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلينشون جعلهم يتخبطون وجعل آمالهم في حالة من الفوضى، وأظهر أن شعبوية اليسار لا تزال في اللعبة.
نعم هناك فرص كثيرة لأن ينتصر ماكرون، ولو أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستعقد بين مارين لو بان من أقصى اليمين، التي تنكر أن الدولة الفرنسية لعبت دوراً مهماً في تهجير بعض الأقليات، وماكرون الذي يعتبر انتصار الوسط أمراً مرجحاً وإن لم يكن حتمياً.
بالتالي علينا أن نتناقش أيضاً ما إذا كان سياسيو الوسط في فرنسا سيهاجمون الفاشيين، وهذا يعد دليلاً على ما وصلت إليه حالة السخط في فرنسا.
ويعتبر ماكرون حريصاً على ما سيحدث في حال انتخابه، ولكن ذلك مؤشر كي يصدق المرء أن هذا المستثمر البنكي الذي يريد خفض الوظائف بنحو 120 ألف وظيفة، في الوقت الذي يحدث فيه تفشي لانعدام الأمن الوظيفي، وخفض الضرائب على الأغنياء، سيعالج غضب فرنسا من الوضع الراهن.
خلال الشهر الأخير، زرت مقر حملتين رئاسيتين، إحداهما كانت في مركز عمليات المرشح الاشتراكي للحزب بينوا هامون، ويعتبر أحد المستفيدين من السخط المرتفع في جميع أنحاء الغرب: وكان هو اليساري في الانتخابات التمهيدية الاشتراكية.
وخلال ذلك الوقت، تصدر ميلينشون استطلاعات الرأي، وكان معسكره مبتهجاً بشكل واضح من قدرته على سقوط الصوت اليساري، مما أدى إلى عدم وجود مرشح يساري في الجولة الثانية. ويعتقد البعض أن ميلينشون كان له هدف واحد فقط: عدم الفوز في الانتخابات الرئاسية، بهدف سحق الاشتراكيين.
والفكرة هي أن سياسة الوسط السياسي التي ستخرج الناس من العمل ستعالج غضب فرنسا الساذجة. وهذه كانت فكرة نقلتها إلى مقر ميلينشون.
ذلك كان وجهة نظر انتشرت في مقر »ميلينشون«، ولابد أنهم اعتقدوا، أن موقف مرشحهم سينسحب ويعطي هامون تسديدة في الجولة الثانية. حسناً لقد كانوا هم من ضحكوا أخيراً. ميلينشون الآن في تصاعد، بينما ينهار هامون، وماكرون الآن آخذ في التراجع.
وتضعه بعض استطلاعات الرأي في المركز الثالث أمام الصحافي من جناح اليمين فرانسوا فيون.
هناك أكثر من أربعة من أصل عشرة مصوتين فرنسيين يعتقدون أنهم سينتخبون رئيساً جيداً. أي ضعف العدد المسجل الشهر الماضي.
ويخفض برنامج ميلينشون المتطرف المكون من 32 ساعة خلال الأسبوع من سن التقاعد الأدنى، والحد الأدنى من الأجور، ويزيد من الضمان الاجتماعي ويرفع من الضرائب على الأغنياء.
ومن غير المعقول أنه سيخوض الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ولكن في حال استمر في تصاعده فإن هناك فرصة، ليست أقل من أن يدرك هامون أنه لا يستطيع الفوز والتراجع.
فرنسا غاضبة. ويفتقر الناس إلى العمل الآمن. وهناك شخص من بين عشرة أشخاص خارج العمل، وعقب خمس سنوات من رئاسة فرانسوا هولاند، الرئيس الجريء الذي خدع الناس الذين قفزوا به إلى السلطة، نجد أن الفقر في ارتفاع.
ومما يبعث على القلق أن لو بان أغوت العديد من الشباب الساخطين الذين يريدون التغيير. هم يريدون أي تغيير، لتوجيه ضربة إلى النظام. نعم. هناك مشكلات مع ميلينشون: ودعمه الحاسم لجهود بوتين الحربية في سوريا يثير القلق. إلا أن الفكرة القائلة إن السياسية الوسطية ستعالج غضب فرنسا، هي فكرة ساذجة.
مجدداً تظهر فرنسا مدى استجابة أوروبا، ويواجه الوسط السياسي فيها ارتفاع اليسار الجديد واليمين وكراهية الأجانب.
هذه علامات تدل على الهستيريا الجماعية والوهم. وبات ملايين الأوروبيين مهتمين بهذه المسألة. ولا يمكنهم قبول أن النظام القديم مكسور الجناح. وأصبح ملايين الأوروبيين الذين لا يريدون الحسم غير قادرين على تقبل فكرة أن النظام القديم قد أطيح به.
وإذا لم يتمكن اليسار من توحيد عمله في أوروبا ببدائل جريئة من دون أن تكون مقنعة، فإن كراهية الأجانب ستستمر في الانتصار. وما يحدث في فرنسا هذا الشهر سيساعد على وجه التأكيد على تحديد مستقبل القارة بأكملها.