في بعض مجتمعاتنا العربية، قد تجد أشخاصاً يتابعون القنوات الإخبارية أكثر من الوقت الذي يمضونه في العمل، والغريب بهؤلاء، أنهم يشاهدون نفس النشرة في أكثر من محطة فضائية، ولو سألتهم عن السبب، فستكون إجابتهم أن الاختلاف في وجهات النظر والتنوع في السياسات الإعلامية لكل محطة، سيفتح أعيننا على حقائق أكثر عمقاً وتحليلات أقرب إلى الحقيقة.
ما سر تعلق الشعوب العربية بالسياسة، ولماذا تجد الجميع، صغيراً وكبيراً، مهتماً كثيراً بالأمور السياسية وآخر تطوراتها، ليس على النطاق المحلي فقط ،إنما يتخطى الأمر هذا الحد، فالاهتمام واسع النطاق، يشمل القارات السبع ببلدانها ورؤسائها وشعوبها وأحزابها؟!
لو تناقشت حول السياسة مع أي شخص عربي، مهما كانت ثقافته، ستجد أنه يملك الكثير مع المعلومات والتحليلات، وقد أجزم أننا أكثر شعوب العالم لديها ثقافة سياسية، فالشاب والشايب، الجامعي وطالب المدرسة، البائع قبل الوزير، جميعهم مهتمون بالسياسة وأمورها ومتغيراتها ونتاج قراراتها.
يقول الصحافي والروائي البريطاني «جورج أورويل»: في عصرنا، لا يوجد شيء اسمه بعيداً عن السياسة، كل القضايا هي قضايا سياسية، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على كلام جورج، إلا أن كلماته ما زالت تنطبق على أيامنا هذه، فكل القضايا والمشاكل التي تعاني منها شعوبنا العربية، أساسها مشاكل سياسية، وحلها سياسي قبل أن يكون اقتصادياً أو تربوياً أو أي قطاع آخر.
ديمقراطي، شمولي، ديكاتوري، نازي، فاشي، علماني، راديكالي، وغيرها الكثير من المصطلحات السياسية، جميعها ليست صناعة عربية، إنما نحن مستخدمون لهذه المسميات، ومع هذا التناقض بين واقع الشارع العربي وحبه وتعلقه وثقافته السياسية، وبين قلة الإنتاج الفكري السياسي أو المنهج أو القالب السياسي العربي، يتبين لنا أن هناك فجوة أو حلقة مفقودة في هذه الدائرة.
المشكلة تكمن بأن شعوبنا العربية مثقفة بمتغيرات السياسة وأخبارها، وليس بكيفية العمل السياسي أو ممارسته ضمن نطاق معرفي يعود بالنفع على الأمة، فمفهوم العمل السياسي بالنسبة لنا، هو الوصول إلى السلطة أو معارضتها بقصد الوصول للمنصب، وليس تنافساً فكرياً بين مجموعات تقدم حلولاً ناجحة لإدارة الشعوب، ولهذا، نجد فشلاً ذريعاً في السياسات العربية ومناهجها وقوالبها، فإلى الآن، لم تتمكن بعض الأنظمة العربية من إيجاد قالب يتناسب مع طبيعة شعوبها وثقافته ومقدراته الوطنية وحالته المعيشية.
ما نحن بحاجة إليه في بعض دول وطننا العربي الآن، هو إيجاد نظام سياسي يتناسب مع طبيعة تلك الشعوب ومتغيرات منطقتنا، فإلى الآن نجد من هم ما زالوا متحزبين لأفكار الحزب الشيوعي، والحديث هنا لا ينطبق على الشعوب أنفسها، بقدر ما على الدول وأنظمتها، ما شكّل عقماً في التصالح مع فشل هذه الأنظمة سابقاً، ما صعب مهمة اتخاذ القرار بتبديلها وتغييرها لما هو أفضل ومناسب للشعوب.
ما نشاهده اليوم في نهج الديكتاتور الكوري الشمالي، والذي من الممكن أن يجر العالم لحرب عالمية كبرى، بسبب منهجه ونهجه الشخصي، وهذا ما خشي من مواجهته معظم قيادات العالم قبل تسلم دونالد ترامب لرئاسة أميركا، لكونه شخصية هجومية في بعض الأحيان.
وعلى الرغم من تخوف العديد من الناس من نزعات الرئيس الأميركي العدوانية، إلا أن المطمئن في هذا الجانب، أن لأميركا كدولة ونظام منهجها السياسي، الذي سيجبر أي رئيس جديد باتباعه والمضي في طريقه، مع ضمان مساحة معينة للحريات الرئاسية، وبما لا يتعارض مع المصلحة والنهج العام للدولة.
وهذا مايحتاجه العرب بالضبط، أن نوجد نظاماً سياسياً عربياً قادراً على احتواء الجميع، مع إلزامهم جميعاً باحترامه والمضي على أساسياته، مهما كانت الوجهات والتوجهات، وإيجاد بيئات احتضان للعلاقة العربية الخاصة بالسياسة، وذلك لتغيير مفهومها لدى العرب من الاعتراض والمعارضة، إلى البناء والمشاركة، وفصلها تماماً عن راكبي موجاتها، كرجال الدين والسياسيين المؤجرين.
يقول رئيس وزراء المملكة المتحدة السابق «ونستون تشرشل»: في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة.
هذا ما على بعض سياسيين العرب أن يفهموه، ولكن بشكل مغاير قليلاً، فبدلاً من الفهم الخاطئ للمصلحة على أنها المصلحة الشخصية ومصلحة أحزابهم وجماعاتهم، عليهم تغييرها لتصبح مصلحة الشعب الذي يحكمونه، فهذه هي مهمتهم الأساسية، والتي عليهم الدفاع عنها وتصدرها أولى أولياتهم، ومراعاة ضمانها كنتاج لقراراتهم.
لعبة السياسة والخوض في معاركها ومعتركاتها، ليس بالأمر السهل، بل هي من أعقد الأمور، والتي يطال تأثيرها شعوب بكاملها، ولذلك نتمنى أن تكون نشرة الأخبار القادمة في وطننا العربي، ما يثبت توجهات السياسيين بحفظ الأمن وضمان سلامة الشعوب من القتل والدمار، فشعوبنا تعبت من خذلان السياسيين، وحصدت أرواح بسبب تعنتهم ورفضهم التنازل عن سلطتهم، وعلى أمل أن نلقاكم في نشرة إخبارية سياسية أكثر سعادة.