يمكن قياس فاعلية الدولة وحضورها في المحافل الدولية والمجتمع الدولي، بقوتها العسكرية وقدرتها على بلورة تصور لأمنها الوطني ووضعه موضع التنفيذ والتطبيق، أو بقوة بنائها الاقتصادي وعلاقاتها التجارية وطاقتها التصديرية وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها.

وكذلك بقدرة الدولة على نسج علاقات دولية مؤثرة وفعّالة، وإقامة تحالفات جديدة تعزز مكانتها السياسية والدولية، وترتبط هذه الفاعلية بمدى كفاءة أجهزة الدولة المعنية بالتخطيط الاستراتيجي والسياسي وقدرتها على رصد وتحليل المتغيرات الجديدة في الساحة الدولية.

وإذا صح اعتماد هذه المقاييس لفاعلية الدولة فإن العديد من التقارير العربية والدولية، وكذلك الأبحاث والدراسات، تشير بوضوح إلى تفوق الكيان الإسرائيلي في المجال الاقتصادي ومؤشراته النوعية كالقدرة على التصدير في مجال البرمجيات وغيره ومستوى الدخل الفردي.

وكذلك في إطار التطور العلمي والتكنولوجي ومؤشراته المختلفة، كالأبحاث والمؤتمرات وبراءات الاختراع وميزانيات التطوير وانفتاح الجماعة العلمية الإسرائيلية على الخارج.

في هذا السياق يجيء تطور علاقات إسرائيل الدولية وخاصة في آسيا والهند والصين على نحو خاص، وكذلك أفريقيا ودول حوض النيل كمقياس للفاعلية الإسرائيلية والصهيونية في تعزيز علاقات الكيان الصهيوني الدولية والإقليمية وقدرته على فتح أفق لعلاقات جديدة ونوعية تضفي على هذا الكيان مزيداً من شرعية الأمر الواقع وتحرره من قيود الارتباط الأحادي بالولايات المتحدة الأميركية والتبعية السياسية الممكنة من جراء الاقتصار في علاقاتها على قطب واحد أو أوحد.

وتوسع في الوقت ذاته هامش المناورة السياسية والدبلوماسية أمامه وتمنحه أوراقاً للضغط على العالم العربي، وتمكنه من كسر أطواق العزلة التي تمكنت الدبلوماسية المصرية والعربية من بنائها حول إسرائيل طوال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.

بيد أنه إذا أمكن بناء تفسير للتفوق الإسرائيلي العسكري والاقتصادي والتكنولوجي على ضوء المثلث المعروف المتمثل في تحالف إسرائيل والغرب والولايات المتحدة على نحو خاص، والمساعدات والمنح والقروض التي تتلقاها.

وامتدادات إسرائيل اليهودية والصهيونية في الخارج، الجاليات اليهودية واللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة وغيرها من بلدان أوروبا الغربية وأخيراً وليس آخراً التماس المباشر والاقتراب المباشر أيضاً من دوائر ومراكز البحث العلمي والتكنولوجى في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها وانتفاء القيود الغربية على ولوج إسرائيل للتكنولوجيات المتقدمة في الدفاع وغيره من المجالات.

غير أن النظام العربي لم يعد كما كان عليه الحال في هذه الحقبة التي سلفت الإشارة إليها؛ حيث افتقد إلى الفاعلية والتأثير وتعرضت قاعدة العمل العربي المشترك والتضامن العربي لهزات عنيفة.

كما تعرضت الدول الوطنية في سوريا والعراق وليبيا واليمن لهزات عنيفة، وتغير جدول الأعمال بطريقة ملفتة للنظر، عنوانها إنقاذ الدولة الوطنية وإعادة البناء والتركيز على الاعتبارات الداخلية، وحسم معركة وجود الدولة الوطنية في مواجهة الإرهاب والعنف.

وقد أفضى كل ذلك إلى تواري القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي إلى خلفية المشهد العربي.

وتكاد تكون مصر هي الدولة الوحيدة الناجية من آثار هذه العواصف والاحتجاجات التي أفضت إلى زعزعة أركان الدولة العربية الوطنية، وعصفت بالاستقرار القائم قبلها، وفرضت أجندة جديدة على المنطقة العربية وفتحت الباب للإرهاب والجماعات الإرهابية تحت مسمى «الإسلام السياسي» ودولة الخلافة.

مصر انتبهت مبكراً لهذا المخطط وخبرت عواقبه إبان العام الواحد الذي سيطر فيه الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من التيارات الإسلامية على مقدرات البلاد، ووضعت نهاية لهذه السيطرة في الثلاثين من يونيو عام 2013 وتمكنت من استعادة كيان الدولة.

ومن الملفت للنظر حقاً ذلك النجاح الكبير الذي حققته مصر في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية المصرية، حيث تمكنت مصر من القيام بنقلة نوعية وكيفية في علاقاتها الدولية الآسيوية والأفريقية والأوروبية، على قاعدة التوازن والتعدد والانفتاح على مختلف التكتلات الإقليمية والدولية.

ولا شك أن حضور مصر في المشهد الدولي من شأنه أن يعزز المطالب العربية في السلام والاستقرار ومحاربة الإرهاب، كما أن تنويع علاقات مصر الدولية يصب في النهاية لمصلحة القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ويحجم التغلغل الإسرائيلي في آسيا وغيرها من المناطق .