لماذا يقدم شاب عربي مسلم، في الثانية والعشرين من عمره، على تفخيخ نفسه وتفجيرها في مجموعة من الأطفال والمراهقين، الخارجين من حفل غنائي، في دولة أوروبية، كي يقتل ويصيب عدداً كبيراً منهم؟.

سؤال يتكرر دائماً، كلما أقدم شاب انتحاري عربي مسلم على عملية إرهابية، سواء كان ذئباً منفرداً، أو منخرطاً في تنظيم إرهابي قام بتأهيله وتدريبه وإرساله إلى مكان ما في العالم، لقتل عدد من الناس لا يعرفهم، لأسباب لا تبدو لنا، نحن الذين نختلف مع الانتحاري وجماعته، منطقية وغير مفهومة، ولم يَعُد حتى من يقوم بهذه الهجمات يشرحونها لنا، لأنهم يعرفون أننا لن نقتنع بها، لذلك، هم يقومون بتنفيذ عملياتهم، ثم ينصرفون للتخطيط لعمليات أخرى، غير عابئين بمن ينتقدهم، أو يدين أعمالهم ويشجبها.

ولأن الأمر يتعلق بالشباب العربي المسلم، الذين ينحدر منهم هؤلاء الانتحاريون والإرهابيون الذين يقومون بهذه العمليات، مدفوعين من قبل جماعات ترفع شعار الإسلام، أو متأثرين بفكرها وتوجهاتها وأهدافها، فمن المفيد أن نتجه إلى قطاع الشباب العربي المسلم، الذي يشكل نسبة عالية في العالم العربي، لنعرف كيف يفكر هؤلاء الشباب، وما موقفهم من الدين وعلمائه، كون الدين هو الدافع الأول، الذي يجعل من هذه العمليات الانتحارية والإرهابية مبررة لدى أولئك الذين يقومون بها.

ووسيلة لإصلاح الدنيا التي يعيشون فيها، وطريقاً إلى الجنة التي يحلمون بها، بكل المغريات التي يقدمها لهم علماء الجماعات المتطرفة ومفتوها، الذين لا يتوقفون عن حساب عدد الحوريات اللاتي ينتظرنهم على أبواب الجنة وأوصافهن، وكأنهن الغاية القصوى للشباب الذين يقومون بهذه العمليات، والهدف الأسمى لهم، رغم أن هناك عدداً من النساء يقمن ببعض هذه العمليات، لم يشرح لنا علماء التطرف ومفتوه، كيف ستتم مكافأتهن في الآخرة على إراقة الدماء وقتل الأبرياء.

لمعرفة مواقف جيل الشباب المسلم من الدين وعلمائه، واصلت «مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات»، استطلاعاتها التي بدأتها العام الماضي، بالتعاون مع مؤسسة زغبي للخدمات البحثية، لتقدم لنا التقرير الثاني عن مواقف هؤلاء الشباب، بعد أن قدمت لنا التقرير الأول قبل عام، وشمل الاستطلاع هذه المرة، عينة من 10 بلدان عربية، لم يشملها الاستطلاع الأول، الذي ضم عينات من 8 دول عربية، هي الإمارات والمغرب ومصر والسعودية والكويت والأردن والبحرين وفلسطين، بينما ضم الاستطلاع الثاني شباباً من سلطنة عمان وقطر ولبنان وتونس والجزائر والسودان والعراق وليبيا وموريتانيا واليمن.

الاستطلاع الثاني أجري على فئة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و33 عاماً، ونتائجه التي تم الحصول عليها من شباب يمثلون بلداناً غير تلك التي مثلها شباب الاستطلاع الأول، لم تأتِ مختلفة كثيراً، وإن لم تكن متطابقة تماماً.

وهي نتائج تكشف عن جهل قطاع كبير من الشباب بمفهوم وحقوق المواطنة، واعتماد البعض على البرامج المتلفزة في الحصول على المعلومات الدينية، وأنهم لا يعتقدون أن الخطاب الديني يصطدم مع العالم الحديث.

وهي نتائج أغلبها جيد، لكن بعضها يعطي مؤشراً لما يحدث من انخراط بعض الشباب العربي المسلم في تنظيمات إرهابية ذات طابع ديني، وقيامهم بعمليات إرهابية تزهق أرواح أبرياء.

من هذه النتائج مثلاً، أن معظم المشاركين في الاستطلاع وافقوا على أن الجماعات المتطرفة مثل «داعش» و«القاعدة» ضالة وتسيء للإسلام، لكن قلة في كل بلد (6 % أعلى نسبة)، رأت هذه الجماعات على الصواب والهدى.

وتكمن الخطورة، كما يقول التقرير، في أن الشباب العرب الذين يعتقدون أنه قد يوجد بعض صواب عند هذه الجماعات، سيكون لهم ميل وقابلية لما تبثه هذه الجماعات من رسائل وتأثير، ما يشكل تحدياً أكبر من بقاء هذه الجماعات في مناطق الصراع الجاري في سوريا والعراق.

وهذا هو ما يفسر العمليات التي تجري في بلدان خارج هذه المناطق، وعلى وجه الخصوص، في بلدان أوروبية تريد هذه الجماعات نقل الصراع إليها، كلما واجهت ضغطاً في مناطقها.

كما بينت الدراسة أن سبب انضمام شباب وشابات إلى جماعات «داعش» و«القاعدة»، هو الاقتناع بأن هذه الجماعات تمثل الحق، وكان السبب الثاني، هو الخطابات والتعاليم الدينية المتطرفة.

كما أشار البعض إلى أن من الأسباب، تدني مستويات التعليم، وظلم الحكومات، والتمييز ضد الأقليات المسلمة في الدول الأجنبية، والاحتلال الأجنبي لأراضٍ إسلامية، وشعور الشباب بالاغتراب.

ومن نتائج الاستطلاع أيضاً، أن أعداداً مهمة من الشباب في معظم البلدان التي أجري فيها، تعتقد أن لإمام المسجد مرجعية دينية في إصدار الفتوى، على الرغم من أنه ليس له هذه المرجعية، ذلك أن أغلب أئمة المساجد لم يتلقوا تدريباً على الفتوى، ولا تخويلاً بممارستها.

وهذا يشير إلى أهمية إمام مسجد الحي في حياة الشباب العربي، كما أنه يشير إلى أهمية أئمة المساجد في الدول الأجنبية التي يعيش فيها مسلمون، لأن أغلب الجماعات الإسلامية الهاربة من بلدانها العربية، والتي استقرت في بلدان أوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، سعت منذ البداية إلى السيطرة على المساجد.

ومن هذه المساجد خرجت أفواج، اتجه بعضها إلى مناطق الصراع في العراق وسوريا للقتال، وانتشر بعضها الآخر في الغرب، لتنفيذ عمليات غيّر بعضها وجه العالم.

إذا كانت هذه النسب البسيطة، التي ذكرها التقرير، أحدثت كل هذا الإرباك الذي نعيشه اليوم ونشاهده، فما الذي يمكن أن يحدث لو ارتفعت هذه النسب بين هؤلاء الشباب؟!