تتجلى إحدى الظواهر الأكثر إثارة للصدمة في القوة العسكرية الأميركية بقلة الاهتمام والجدية التي تبديها حيال معاينة العناصر الأساسية للكلفة الإجمالية التي تتكبّدها في الحرب والمهمات العسكرية، والرابط الذي تقيمه بين استخدام المصادر ووجود استراتيجية فاعلة.
لقد شهدت سنوات العقود الأخيرة القليل من المساعي الجدية الحقيقية لمعاينة تكاليف المهمات الأساسية والالتزامات الاستراتيجية والتيارات السائدة طويلة الأمد في مجال التخطيط والتكلفة الحربيتين، وقد فشلت كل من السلطات التشريعية والكونغرس الأميركي في إدخال الإصلاحات إلى أي من النواحي الجوهرية المتعلقة بالدفاع وميزانيات السياسة الخارجية بما يتجاوز إعداد الميزانيات القائمة على البنود والخدمات العسكرية وتكرار العملية كل سنة.
يعتبر وضع الميزانيات على أساس البرامج ومساعي تخطيط القوى المتكاملة التي كانت رائدة في نهاية عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق أيزنهاور والتي وضعت قيد التطبيق في عهدي كل من الرئيسين الأميركيين الأسبقين كيندي وجونسون قد أصبحتا الآن في طور الفراغ المضموني.
أما الجهود المجدية لإيجاد برامج دفاعية للسنوات المقبلة فقد تعرضت للضربة القاضية على يد قانون مراقبة الميزانية الذي تم وضعه في الأساس ليكون في غاية التفاهة بحيث لا يتمكن الكونغرس من المصادقة عليه. وأجهضت كل المساعي لدمج التقييم الصافي مع بيانات الموازنة على يد الهيئة المشتركة قبل عقود، في عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق ريغان.
يبقى العنصر الأكثر إثارةً للدهشة، ماثلاً في فشل رئيسي أميركا الأخيرين ومجلس الشيوخ في وضع تحليل وتبرير مناسبين لتكلفة الحروب الأميركية، وإذا احتسبنا الحروب الباردة نجد أن الولايات المتحدة تخوض الحروب سنوياً تقريباً منذ العام 1941، وقد دخلت في حروب فعلية منذ نهاية عام 2001، حيث لا يوجد أفق يبشر بإمكانية وقف الحاجة لاستخدام القوة لضبط الإرهاب والتطرف خلال العقد المقبل.
ولعل الحرب الباردة قد انتهت إلا أن أميركا لا تزال تواجه تحديات استراتيجية من روسيا وصعود نجم الصين كقوة عالمية أساسية في عالم سبق أن دخل بوتقة تعدد الأقطاب.
قد لا تكون الحرب، هي الحالة الطبيعية للتخطيط الأمني القومي لأميركا إلى ما لا نهاية مستقبلاً، إلا أن الحرب بذاتها أو الخطر الدائم الذي يهدد بنشوبها هو الواقع الكئيب للمرحلة الراهنة.
مع ذلك، تجد أن الإدارة والكونغرس الأميركيين ينزعان للتعامل مع خوض الحروب وكأنه مجرد شذوذ مؤقت. أو مسألة يجب التعامل معها عن طريق الكماليات الملحقة أو خلق فئات في بنود الميزانية قصيرة الأمد مثل حساب عمليات الطوارئ في الخارج الذي يعكس على ما يبدو تكاليف الحروب، لكنه تحوّل إلى نوع من المكافأة المالية لغاية فاسدة وآلية التجنب الانتقائي لسقف الإنفاق الدفاعي المنصوص في قانون مراقبة الميزانية.
تكاد التقارير التي تضعها السلطات التنفيذية تبدو مصممة لحجب التكاليف الحقيقية للصراع، وتفادي ربطها مع أي معاينة للاستراتيجية والفعالية وأفق إنهاء الحرب، وغالباً ما تأتي التقارير المعنية بالنواحي المدنية للحرب ناقصة، أما الميزانيتان العسكرية والمدنية فتوضعان وتطبقان على نحو منفصل من قبل الدوائر وتتم مراجعتهما من قبل لجان منفصلة متخصصة بالخدمات المسلحة والشؤون الخارجية في مجلسي النواب الشيوخ ومن قبل عناصر منفصلة في لجان الاعتمادات.
يستتر خلف مقولة الوعود الكاذبة القائلة بـ «المقاربة الحكومية الشاملة» الفصل الحاصل في العالم الحقيقي بين ما يفترض أنه نهج مدني عسكري متكامل، ونهج «الثقب الحكومي»، حيث غالباً ما تبدو وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية منفصلتين جزئياً على الأقل عن حقائق خوض الحروب، وحيث يصب تركيز وزارة الدفاع على النجاحات التكتيكية أكثر من تلك السياسية والاقتصادية أو الأهداف الاستراتيجية الأوسع نطاقاً المرتبطة بصناعة الحروب.
لم يقدمِ مجلس الشيوخ أداءً أفضل، إذ أن أعضاءه مولعون، بما يثير السخرية، بتوجيه الانتقادات إلى الإدارة لافتقارها إلى الاستراتيجية.
غير أن المجلس نفسه يمكن أن يكون عرضة للانتقادات لإخفاقه في التشديد على ضرورة وضع تقارير تفي بالغرض حول ميزانيات زمن الحرب ومعاينة التكاليف بالتفصيل.
وبمنأى عن المساعي المستقلة لدائرة أبحاث الكونغرس، فإن أياً من السلطة التنفيذية أو الكونغرس نفسه قد أصدرا أي تقرير رسمي يتعلق بتكاليف الحروب الأميركية المتواصلة، أو عاين مسارات تلك التكاليف أو شدد على إعداد التقارير المجدية التي تكشف فعاليتها.
وقد طرحت كل من دائرة أبحاث الكونغرس ومكتب المحاسبة العامة عدداً من التقارير التي تقدم معلومات قيّمة عن تكلفة الحروب الأميركية والمشكلات التي تعتري مسألة إدراجها ضمن تقارير.
وتمثلت المرة التي أكثر ما اقترب فيها الكونغرس من إنشاء نظام موثوق لإجراء مراجعة رسمية في وضع مستلزمات إعداد التقارير العامة المحدودة بخصوص العراق وأفغانستان لوزارة الدفاع. إلا أن تلك التقارير لم تتطرق إلى تكلفة الحرب ولا إلى التخطيط أو وضع الميزانيات.