خلال أقل من أربع وعشرين ساعة كنا أمام موقفين يجسدان بوضوح حقيقة الأزمة التي افتعلتها وخططت لها القيادة القطرية، في محاولة يائسة لضرب وحدة الخليج وجره إلى قلب المؤامرة التي كان حكام قطر طرفاً أساسياً فيها طوال عشرين عاماً.

** في الموقف الأول.. كنا أمام صفحة أخرى من صفحات التآمر القطري، حين تم الكشف عن تسجيل صوتي لأحد الحمدين «حمد بن جاسم» وهو يقوم بدوره في إشعال الفتنة في البحرين الشقيقة، وهو في موقع رئاسة الحكومة القطرية.

فيقوم بإصدار التوجيهات لزعماء الفتنة أثناء الاضطرابات التي كان مخططاً لها أن تكون شقاقاً طائفياً عاماً يضرب وحدة شعب البحرين وينشر الفوضى فيها.. لولا صلابة شعب البحرين الشقيق ومؤازرة الخليج العربي كله له ليهزم المؤامرة ويضرب الفتنة المأجورة.

** والموقف الثاني كان على النقيض من ذلك كله، حيث صدرت موافقة خادم الحرمين الشريف، الملك سلمان بن عبد العزيز، على تقديم التسهيلات الممكنة للأشقاء من الحجاج القطريين، والاستجابة لما طلبه الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني في هذا الصدد.

وفتح الحدود البرية لدخول كل قطري يريد أداء الفريضة، وتوجيه طائرات الخطوط السعودية لنقل من يريد من الأشقاء القطريين إلى الأراضي المقدسة، واستضافة كل حجاج قطر الشقيقة ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة.

وفي الحقيقة فإنه لا مفاجآت في كلا الموقفين:

فما تم تسريبه من تسجيلات للمتآمر الأكبر حمد بن جاسم لإثارة الفتنة في البحرين ليس إلا صفحة في كتاب الدور القطري طوال عشرين سنة لنشر الفوضى في المنطقة، ولتنفيذ مخططات «كبار القوى المتآمرة» التي استخدمت النظام القطري أسوأ استخدام، وجعلته إحدى ركائزها الأساسية للتآمر على الأشقاء العرب ونشر الخراب والدمار في الوطن العربي.

وزرع الفتنة الطائفية والحروب الأهلية لإغراق الوطن العربي في دماء أبنائه بينما الخيال المريض لـ«نظام الحمدين» يتوهم أنه وسط الدمار الذي يشارك في صنعه ستكون أمامه الفرصة ليكون أكبر، وليقتسم «الغنائم!» مع أعداء الأمة.. وياله من خيال مريض لنظام كان طوال عشرين عاماً وبالاً على شعبه وأمته!

وعلى الجانب الآخر فإن قرار العاهل السعودي لا يأتي فقط لأن هذا واجب المملكة الذي تؤديه بأمانة نحو ضيوف الرحمن، لكنه يعكس عمق العلاقة بين الأشقاء في دول الخليج العربي، ويكشف حقيقة النظام القطري الخائن لشعبه ووطنه وأمته، والساعي - حتى أنفاسه الأخيرة - لزرع الفتنة.

والقادر على أن يقوم بأسوأ الأدوار حين يحول الحج إلى ميدان للصراع السياسي، وحين يجرؤ على تجاوز كل الحدود فيطلب تدويل الأماكن المقدسة تمهيداً للمؤامرة الكبرى على وحدة المملكة السعودية، وإيذاناً ببدء حرب تدمير العالم الإسلامي كله.

وقرار المملكة بشأن تيسير كل سبل الحج أمام الأشقاء القطريين هو التأكيد الأقوى على المواقف الثابتة لدول المقاطعة الأربع منذ اليوم الأول للقرار الذي اضطرت لاتخاذه نحو نظام «حمد وحمد» بعد أن فاض الكيل وتعددت محاولات إيقاف تآمره على دول الخليج، الوطن العربي وبعد أن تكررت وعود التوبة والنكوص عنها لتستمر قطر عنواناً على التحالف مع أعداء الأمة وتنفيذ مخططاتها لنشر الفوضى والدمار في المنطقة.

لم يكن قرار المقاطعة يوماً موجهاً لشعب قطر الشقيق، ولا عامل هدم للدولة هناك. بل كان في حقيقته إنقاذاً للدولة الشقيقة وإصراراً على أن يبقى شعبها جزءاً أساسياً من منظومة دول الخليج العربية وعاملاً على استقرار وأمن الوطن العربي كله.

كانت دول المقاطعة - وما زالت - تدرك جيداً أن شعبنا العربي في قطر الشقيقة ليس مسؤولاً عن سياسات حكام ضلوا الطريق وذهبوا في التآمر ضد الأشقاء إلى آخر مدى، وحولوا قطر العزيزة إلى عنوان لدعم الإرهاب بدلاً من أن تكون واحة للسلام وعاملاً في نشر الخير والأمن والاستقرار في المنطقة.

لم يكن شعب قطر الشقيق يوماً مسؤولاً عن تبديد ثروات قطر في دعم عصابات الإرهاب، ولا عن مساندة كل عمل تخريبي لزرع الفتنة ونشر الدمار بالمنطقة، لم يكن شعب قطر الشقيق مسؤولاً عن جرائم المشاركة في تدمير سوريا وليبيا بعد العراق، ولا في التحالف مع القوى التي أرادت تحويل اليمن إلى خنجر في ظهر الخليج العربي.

ولم يكن شعب قطر الشقيق مسؤولاً عن تحويل الدوحة إلى ملاذ آمن لكل قادة عصابات الإرهاب، وفي المقدمة بالقطع جماعة «الإخوان» التي أصبحت هي الموجه لسياسات قطر وهي المتحكم في مفاصل الحكم فيها، وهي القابضة على إعلام التحريض المنطلق من الدوحة أو التابعين لها.

خططوا للأزمة.. ليبرروا استمرار تحالفهم مع عصابات الإرهاب وخضوعهم لنهج «الإخوان» وتنفيذهم لمخططات التآمر طوال عشرين سنة.

خططوا للأزمة لكي يأتوا بعساكر الأتراك لحمايتهم من شعبهم (!!) ولكي يرتموا في أحضان التحالف مع إيران وهي تعلن عداءها لكل ما هو عربي (!!) ولكي يغرقوا في خيالهم المريض الذي يصور لهم أنهم قادرون على زرع الشقاق بين أبناء الأسرة الواحدة في دول الخليج العربي.

وأظن أن الرسالة الآن أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، في يوم واحد كانت مكالمة حمد بن جاسم مع زعماء الفتنة في البحرين التي تم تسريبها تقول من جديد إن نظام «حمد وحمد» المستمر حتى الآن، لم يعد ممكناً أن يكون جزءاً من مستقبل قطر، على الجانب الآخر كان القرار السعودي بتوفير كل وسائل تيسير الحج على أشقائنا القطريين بعد تدخل مشكور من الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني تقول إن الطريق للمستقبل لن يمر إلا بوحدة أبناء الخليج وسقوط كل من تآمروا على هذه الوحدة، وانحازوا ضد عروبتهم.

وتحالفوا مع كل الشياطين لكي لا يواجهوا السقوط الحتمي، لكن كل ما يفعلونه لن تكون له من نتائج إلا المزيد من الخسائر لقطر لشراء بعض الوقت لمن كانوا «مثل الإخوان» يتوهمون أنهم سيسيطرون وحلفاؤهم على مصير الخليج والوطن العربي لمئات السنين!