يبدو أن السلطات الإسرائيلية تملك الآن من الأدلة الموثقة ما يمكنها من أن تصدر لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بالفساد والرشوة واستغلال النفوذ والحصول بغير حق على امتيازات خاصة إضافة إلى اتهامات أخرى تتعلق بالغش والحنث باليمين، وأنه متورط في ثلاث قضايا تحمل أرقام ألف وألفين أما القضية الثالثة فتتعلق بشبهة فساد في شراء غواصات ألمانية!
شاهد الإثبات الأول ضد نتانياهو هو أرى هارو رئيس طاقم مكتبه وكان مرافقاً له منذ أن كان في المعارضة، كما عمل مديراً لحملته الانتخابية، وقبل أخيراً أن يكون «شاهد ملك» بعد أن تمت مواجهته بفيض من المعلومات حول علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي وأنه يكاد يكون شريكه الأساسي في عدد من الملفات المشتبه بها، بما جعله يقبل التعاون مع الشرطة ويوفر المعلومات المطلوبة.
وثمة ما يؤكد أن أرى هارو شارك في المباحثات التي أجراها نتانياهو مع موريس ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت التي عرض فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي العمل على إنشاء قانون يلزم صحيفة «إسرائيل هيوم» توزيع أعدادها نظير مقابل مادي بدلاً من توزيعها بالمجان اعتماداً على دخلها الكبير من الإعلانات، بهدف خفض توزيع أعداد الصحيفة لصالح صحيفة يديعوت أحرونوت لتعود الصحيفة الأكثر انتشاراً، مقابل أن تنحاز يديعوت أحرونوت إلى صف رئيس الوزراء الأمر الذي اعتبرته سلطات التحقيق جريمة فساد ورشوة.
ويبدو أيضاً أن «شاهد الملك» أرى هارو الذي كان مؤتمناً على أسرار نتانياهو كشف الستار عن وقائع جديدة في قضية الرشوة والهدايا التي كان يتقاضاها رئيس الوزراء الإسرائيلي من أحد رجال الأعمال المقربين منه مقابل تسهيل مصالحه، وعندما جرى تحقيق وقائع هذه الاتهامات لأول مرة في يونيو الماضي، رفض نتانياهو اتهامات الرشوة مؤكداً أن ما تلقاه من رجل الأعمال كان في إطار خفض تبادل الهدايا بين الأصدقاء!
وبينما تؤكد شرطة إسرائيل أنها إزاء قضية فساد ورشوة لا علاقة لها بالسياسة، يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنه يواجه قضية سياسية مع اقتراب موعد الانتخابات تستهدف تغيير الحكم وإزاحته من منصبه، وأنه سوف يبقى في منصبه حال صدور عريضة الاتهام لأن القانون الإسرائيلي لا يلزمه بتقديم استقالته إلا أن تتم إدانته.
لكن واقع الحال يؤكد أن نتانياهو يخسر كل يوم المزيد من شعبيته ومصداقيته خاصة بعد أحداث المسجد الأقصى التي شكلت هزيمة كبيرة له وانتشار تحقيقات الفساد، حيث يعتقد 55 في المئة من الإسرائيليين أن نتانياهو ضالع في قضية رشوة الغواصات الألمانية.
كما يعتقد 36 في المئة من الإسرائيليين أن رئيس الوزراء لم يحاول تهدئة الأجواء في قضية المسجد الأقصى من أجل صرف انتباه الجمهور الإسرائيلي عن قضية فساده، وبينما يرفض نتانياهو الانسحاب من منصبه إن أصدرت الشرطة بحقه لائحة اتهام بالفساد والرشوة واستغلال النفوذ إضافة إلى الكذب والحنث باليمين.
ويضغط على وزراء حكومته باستخدام تهديدات مبطنة كي يعلنوا تأييدهم له، ترى أغلبية الإسرائيليين أن على نتانياهو أن يقدم استقالته بعد أن ثبت أن مدير مكتبه قدم إلى الشرطة فيضاً من المعلومات التي تدين رئيس الوزراء، كما تدين زوجته سارة التي ربما تنتظرها هي الأخرى لائحة اتهام بأنها كلفت إسرائيل مئات الآلاف من الشواكل، عندما اشترت على حساب الدولة أثاثاً لحديقة مقر رئيس الحكومة ونقلته إلى بيتها الخاص.
وفي رام الله تتابع السلطة الفلسطينية تطورات التحقيق في قضية نتانياهو، حيث تسود المخاوف من اتجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي المتزايد إلى الانحياز الكامل لصقور اليمين الإسرائيلي، بتأكيد رفض حل الدولتين أملاً في أن يصفوا إلى جواره! مع وجود ميل متصاعد من بعض أعضاء الليكود إلى اتخاذ موقف محايد بدعوى الحفاظ على الحزب، فضلاً عن مخاوف فلسطينية أخرى من أن يلجأ نتانياهو إلى افتعال أزمات جديدة مع السلطة الفلسطينية ومحاولة عقابها لأنها أوقفت التنسيق الأمني مع إسرائيل خلال أزمة الأقصى!
لكن الاعتقاد السائد في أوساط المقربين من الرئيس محمود عباس أن استئناف التفاوض مع حكومة نتانياهو، لن يكون مجدياً في هذه الظروف، خاصة أن نتانياهو ليس لديه ما يمكن أن يقدمه على مائدة التفاوض، فضلاً عن أن الرئيس الأميركي ترامب لا يرغب الآن في تقديم أي مبادرة جديدة، مؤثراً الانتظار إلى أن يتضح موقف نتانياهو!
ومع الأسف كان يمكن استثمار هذه الظروف في تسريع جهود المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس تعزيزاً لوحدة الصف الفلسطيني، لكن الواضح للجميع أن العلاقات بين الندين اللدودين تزداد تعقيداً.