عام مضى منذ تولى الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، حصاد هذا العام محبط جراء السياسات الداخلية والخارجية التي انتهجت خلاله، والتي زادت من التوترات الدولية، وأضرت بعلاقات الولايات المتحدة الخارجية. ترامب يختلف عمن سبقوه، فهو الرئيس الوحيد القادم من عالم الأعمال الذي سجل فيه نجاحات مرموقة، لم يكن لها أن تتحقق من غير ركوبه متن المغامرة بين الحين والحين.
وهي ما تتسم به مواقفه السياسية وهو في البيت الأبيض. ما يميز الرئيس ترامب عن أسلافه براعته في كسب العداوات، وما يميز إدارته عن سابقاتها كثرة اصطدامها بالكونغرس في هذا الوقت القصير نسبياً من عمرها، علاقات هذه الإدارة بالكونغرس تتسم بالتعارض لا بالتفاهم.
المناكفة، إن صح التعبير، بين الرئيس والكونغرس تحدث عادة حين يكون الرئيس ديمقراطياً والكونغرس ذا أغلبية جمهورية أو العكس، ولكن في الحالة التي نحن بصددها الرئيس جمهوري، والكونغرس، الذي يناكفه بمجلسيه، ذو أغلبية جمهورية.
ويبدو في ضوء هذه الإشكالية أن الكونغرس قرر أن يمسك بمقاليد السلطة لتكون له اليد العليا بصياغة القرارات خاصة تلك التي تتعلق بالأمن القومي الأميركي، لذلك عمد إلى إجبار الرئيس في أغسطس المنصرم على توقيع قانون غير قابل للنقض بفرض عقوبات ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية قاطعاً بذلك الطريق على أية محاولة قد يلجأ إليها لترطيب العلاقات التي تزداد توتراً مع موسكو.
هذا القانون قد يبقي العقوبات على روسيا لسنوات طويلة، وقد وصفه رئيس الوزراء الروسي ميدفيدف في حينه بأنه حرب تجارية شاملة على بلاده. لم تحظ سياسات الرئيس ترامب الخارجية بقبول دولي، فانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ ومن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي قوبلتا بالاستهجان.
كما فشل في إقامة حشد دولي وراء سياساته الخارجية، فقراره باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل حظي بهزيمة دولية في مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أن سياسته إزاء البرنامج النووي الإيراني لم تحظ هي الأخرى بتعاطف من قبل شركاء بلده في الاتفاقية. وليس لديه جديد يطرحه لمواجهة كوريا الشمالية سوى تهيئة أجواء الحرب، خاصة أن العلاقات المتوترة مع كل من الصين وروسيا تضعف من فرص التهدئة مع بيونغ يانغ.
كما اصطدمت سياساته الداخلية في مناسبات عدة بتقاليد المؤسسات القائمة، فقد سارع القضاء الأميركي إلى نقض قراراته بعدم السماح لمواطني عدد من الدول بدخول الولايات المتحدة وإلزامه بتعديلها وبإعادة صياغتها.
إلا أن ذلك لم يمنعه من الإمعان في نهجه العنصري، فتصريحاته المهينة بحق مواطني بعض الدول التي وصفها المتحدث بلسان مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بـ»الصادمة والمعيبة والعنصرية».
ووصفها الاتحاد الأفريقي بأنها «تتنافى تماماً مع السلوكيات والممارسات المقبولة»، تسببت بموجة غضب عارم أصدر على إثره سفراء 54 بلداً أفريقياً في الأمم المتحدة في الثاني عشر من يناير الجاري بياناً شديد اللهجة يطالبون فيه الرئيس بالتراجع والاعتذار. وهو ما دفع الدوائر الأميركية للإسراع باحتواء الأزمة، حرصاً على علاقاتها الخارجية التي من خلالها تتمكن من ممارسة دورها على المسرح السياسي العالمي.
في سياق آخر فشل الرئيس في حمل مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية على تبني التشريع الجديد للرعاية الصحية ليصبح بديلاً عن البرنامج الذي وضعه سلفه، وفشل في الحصول على الموافقة لتمويل الجدار مع المكسيك، وبالتالي عجز الكونغرس عن إقرار الميزانية، وتسبب ذلك في إغلاق جزئي للحكومة الفيدرالية.
موقف الرئيس ترامب يزداد ضعفاً، فلم تعد سياساته تصطدم بإرادة الديمقراطيين ولكن أيضاً بإرادة حلفائه الجمهوريين الذين لم يكونوا موفقين في التحالف معه، فأفكاره التي يعبر عنها بخطابات وتصريحات متشنجة تسبب لهم أقصى درجات الإحراج، لأنها لا تتفق مع التقاليد التي تحكم آليات العمل وصياغة القرارات في المؤسسات صاحبة القرار وعلى رأسها الكونغرس.
الرئيس ترامب تحاصره الأزمات التي تسبب بصنعها، فوسائل الإعلام تتربص به، بعد أن كسب عداوتها منذ اليوم الأول لدخوله مرشحاً للرئاسة، حين طعن بحياديتها ومصداقيتها، والكونغرس يقيد سياساته الداخلية والخارجية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي يشهر بوجهه ووجه المقربين منه سيف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية.
وأصبح الشلل الذي أصاب الحكومة الفيدرالية بسبب سياساته عاملاً جديداً في إضعاف موقفه ،وقد تستجد أمور أخرى في المستقبل القريب توسّع من الصدع الذي بينه وبين الكونغرس، والتي قد تقود في نهاية المطاف إلى مواجهة وقطيعة نهائية.