في أجواء توترات تخفف من غلوائها وتحاصر تداعياتها تفاهمات هشة بين خبراء عسكريين من روسيا والولايات المتحدة في الميدان السوري الملتهب تقع أحداث خطيرة لا ترغب الدوائر الرسمية في البلدين التطرق إليها لأسباب تتعلق بأمنهما القومي وبسمعتيهما في المحافل الدولية. إنها نذر التصعيد التي تتزايد بين روسيا والولايات المتحدة سياسياً ودبلوماسياً في مجلس الأمن الدولي وعسكرياً بشكل غير مباشر في الساحة السورية.

سقوط مقاتلة روسية من طراز سوخوي 25 فوق إدلب بصاروخ حراري مجهول الهوية قابله بعد بضعة أيام سقوط مقاتلة إسرائيلية من طراز إف 16، حدثان مهمان لا تستطيع الذاكرة السياسية استيعابهما في أطر قدرات المقاتلين في إدلب أو قدرات الدفاعات الجوية السورية، إذ لم تُسقط طائرة مقاتلة روسية في أي من المعارك التي خاضتها ضد المعارضة السورية في أوج قوتها على مدى السنوات الأربع منذ تدخل موسكو في سبتمبر 2015 لتحويل مجرى الحرب الدائرة لصالح نظام الأسد، كما لم تُسقط أية طائرة إسرائيلية على مدى سنوات من استباحتها المستمرة لسماء سوريا.

الوضع الميداني في سوريا يشهد أشد حالات التعقيد، التي لم تعد تقتصر على الحضور الميداني لقوات من دول عديدة هي الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، بل إلى ما يتجاوز ذلك وهو ما تضفيه أنشطة ميليشيات مسلحة من مختلف الجنسيات من تعقيد. أبرز هذه الميليشيات وربما أخطرها تلك التابعة لشركة فاغنر الروسية، التي تعمل على غرار شركة بلاك ووتر الأميركية، مرتزقة من الروس سُحبوا من شرق أوكرانيا وأرسلوا إلى سوريا عددهم يزيد على الألفي مقاتل تطلق عليهم وزارة الدفاع الروسية تسمية «المتعاقدون»، وتحرص على التأكيد بعدم تبعيتهم لها. هؤلاء ليسوا حاصلين على تدريب عسكري حرفي متقدم، بل من الذين ينتمون إلى التيار القومي الروسي اليميني الذي يدعو للمواجهة مع الولايات المتحدة.

ورغم حرص كل من الولايات المتحدة وروسيا على تلافي أي احتكاك بين قواتهما براً وجواً إلا أن ما حدث في السابع من فبراير المنصرم في ريف دير الزور يشير إلى تغير في قواعد الاشتباك، فمع التكتم الشديد من جانب الطرفين على ما حدث لخطورته إلا أن الكثير من المعلومات بدأت تتسرب عنه وعن ملابساته تحت ضغوط عائلات الضحايا الروس وفضول وسائل الإعلام. خطورة ما جرى لا تكمن في الحجم الكبير للضحايا فحسب، بل باحتمال تكراره بهذا الشكل أو ذاك رداً للاعتبار، وطالما بقي الرفض للوجود الأميركي في الأراضي السورية استراتيجية تتبناها بعض الدول في المنطقة وخارجها.

وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان نفتا الأخبار المسربة بسبب الظروف التي تمر بها روسيا مع قرب الانتخابات الرئاسية إلا أن وزارة الدفاع عادت واعترفت بخمسة قتلى فقط بسبب ضغوطات عائلات الضحايا، مؤكدة في الوقت نفسه بأنهم ليسوا من قواتها. من جانب آخر تجنب وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس تحميل روسيا مسؤولية الهجوم على موقع لقواته طالباً التحقيق للكشف عن ملابساته،

إلا أن الصورة الحقيقية ليست كذلك فقد كشف موقع «دفينس بوست» المستقل والمختص بتغطية أخبار الصراعات حول العالم وتحليلها عما جرى في ذلك اليوم، قتل نحو 215 مرتزقاً روسياً في غارة أميركية على رتل مكون من قوات النظام ومن ميليشيات روسية وإيرانية مزودة بالمدافع والدبابات حاولت التقدم صوب موقع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً في دير الزور. وفي السياق نفسه نقل موقع «بلومبرغ» عن مسؤول أميركي أن عدد القتلى الروس تجاوز المائتين. رد الولايات المتحدة على محاولة التعرض هذه كان كاسحاً في عملية استمرت لمدة أربع ساعات شاركت فيها المدفعية والطائرات المقاتلة وطائرات الأباتشي واستخدمت فيها كذلك القاذفات الثقيلة من طراز «ب 52» المتمركزة في قاعدتها الجوية في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، فقد أبيد هذا الرتل تماماً في رسالة قوية لم تكن موجهة إلى رأس النظام السوري وحده.

في هذا السياق يتعرض رئيس الوزراء العراقي الدكتور العبادي لضغوط شديدة داخلية وإقليمية للسماح لقوات الحشد الشعبي بالتوجه نحو سوريا للقتال ضد القوات الأميركية التي تتخذ من المناطق الغنية بالنفط والمياه شرق نهر الفرات مواقع لقواتها، فهناك من يرغب بمحاربة الولايات المتحدة بدماء العراقيين، وهو ما رفضه العبادي مصراً على موقفه بسحب سلاح هذا الحشد وحصر حيازته واستعماله بأجهزة الدولة الأمنية.

 كاتب عراقي