في الثلث الأخير من شهر نوفمر2017 اجتمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران فيما أطلق عليه «مؤتمر سوتشي» والذي كان يهدف إلى ترويض المعارضة السورية وتليين الأتراك بشأن القبول بالنظام السوري لكن مخرجات ذاك الاجتماع، وحسب ما جرى لاحقاً على الأرض، تقول إن أهدافه الخفية كانت مختلفة كلياً.
رؤساء الدول الثلاث لم يكن لقاؤهم حول سوريا بالتحديد، كان الحديث حول العلاقة مع أميركا وتوغلها في محاصرة إيران الإرهابية وتركيا المتنمرة الإخوانية وروسيا التي زادت تطلعاتها في سوريا وأوروبا وحول العالم، فحصل أردوغان على تصريح مهاجمة عفرين بشراسة مقابل غض الطرف عن القصف الروسي والسوري لتجمعات المعارضة تحت غطاء ودعم إيراني كامل.
مازالت أميركا قوة عظمى، لكن مجابهتها وجهاً لوجه بالنسبة للدول الثلاث هو أمر صعب ومحتوم بالخسائر والفشل، وروسيا تجنبت مؤخراً معاكستها، أما تركيا فبعد أن خسرت جميع جيرانها وخسرت التحالف مع أميركا باتت تخشى فقط قيام الدولة الكردية التي تدعمها أميركا علناً، إيران المتطرفة تريد كعادتها أن تحارب أميركا بطريقة غير مباشرة، كما تفعل مع السعودية في اليمن، على أرض ليست أرضها، فحطت رحالها في سوريا، البيئة الخصبة للحروب الشائكة.
روسيا التي تسعى لتأكيد وجودها على الساحة الدولية، أتاحت لها الأزمة في سوريا اللعب في مساحات المصالح المعقدة فجعلت من الورقة السورية، التي تتكوم فوقها رائحة جرائم الحرب والقصف الكيميائي والنابالم، ورقة مساومة ثمينة ترفعها وتخفضها وتلقيها وتسحبها في وجه كل من يفكر بالاقتراب أو التصوير من سوريا.
إيران العجوز الهرمة حضرت قمة سوتشي سعياً منها لتشكيل تحالف جديد بعد أن فقدت جيرانها وحلفاءها، وبعد تدخلاتها في الشأن السوري واليمني واللبناني والعراقي وضخ المليارات لتجنيد المرتزقة وتصدير الحروب وزعزعة أمن الشرق الأوسط وبعد أن ثبت دولياً انتهاكها حظر الأسلحة الذي فرض عليها في العام 2015. فاختارت المضي في بث الشر والتآمر لمزيد من الحروب الخاسرة.
نتائج سوتشي على الأرض اتضحت بحق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار دولي يتهم إيران بانتهاك حظر الأسلحة في اليمن، فقدمت روسيا ثمناً رمزياً لقبول إيران الجلوس مع الأتراك والتفاهم حول الملف السوري، وبالطبع كان لهذا الموقف تأثيره على الجهود العالمية التي تحققت من تحميل إيران مسؤولية دعم المسلحين الحوثيين في حربهم ضد الحكومة اليمنية المعترفة بها دولياً والتحالف الداعم لها بقيادة السعودية.
بيان لقاء سوتشي العلني تحدث عن تأييد المبادرة الخاصة بعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري ودعم مبادئ الحل السلمي للأزمة السياسية في سوريا، لكن الدول الثلاث اتفقوا أيضا، كما تقول الوقائع التي جرت لاحقاً، على تخفيف قلق المنافسة الجيوسياسية بينهم، والتحالف لتقديم المساندات والدعم اللوجستي لكل دولة من الدول الثلاث في حال احتاجت ذلك، وتقديم غطاء لتركيا لتتخلص من عزلتها وهمومها مقابل خضوعها الكامل لتوجهات وتوجيهات موسكو وغض الطرف عن كل ما تريد أن يحققه في سوريا.
على أرض الوقائع، وبعد سوتشي، انسحب المراقبون العسكريون الروس من منطقة عفرين لفتح الأبواب لعملية الأتراك العنيفة التي تحمل اسم غصن الزيتون، وبدأت هناك حرب استنزاف أغرقت تركيا في الوحل، وواجهت إدانة دولية، وراح النظام السوري يهاجم الغوطة الشرقية ويحرقها، وظهر الفيتو الروسي لمنع إدانة إيران، أي أن قمة سوتشي لم تكن سوى تنفيذ لاتفاق سري تم خلاله توزيع الأدوار والمهمات والتي سنسمع المزيد منها في القريب العاجل.
كاتبة وإعلامية