أعلنت مندوبة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نيكي هيلي أن إدارة ترامب تعد العدة لمبادرة لحل القضية الفلسطينية. وأن صهر الرئيس جارد كوشنر ومنسق عملية السلام، جيسون قريينبلات، يضعان النقاط الأخيرة على مسودة المبادرة. وأضافت إن الطرفين لن يسعدا بالمبادرة ولكن قد تكون أفضل الموجود، لأن الفلسطينيين يستحقون الأفضل وكذلك الإسرائيليين.

وكما هو معروف، فإن الرئيس ترامب وعد بصفقة القرن لإحلال السلام بين فلسطين وإسرائيل على أساس حل الدولتين. وانه، أي ترامب، سيأتي بما لا تستطعه الأوائل من الإدارات. والعالم بالانتظار حول صفقة القرن، أو كما يحلو للبعض أن يسميه صفعة القرن.

مما سرب من المبادرة (لعله بالونات اختبار) أن عاصمة فلسطين ستكون أبوديس بدلاً من القدس، الذي اعترف بها ترامب مؤخراً عاصمة لإسرائيل. وقد علق ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بأنه أزاح عقبة كَأْدَاءَ عن طريق السلام، والتي كانت قد عرقلت المسيرة السلمية، وعثرت التقدم في المفاوضات.

كما أن إسرائيل، حسب المبادرة الجديدة، لن تتحمل مسؤولية اللاجئين. وأن المسؤولية تخص العرب والمجتمع الدولي. وحسب الرواية الإسرائيلية، فإن المتسبب في مشكلة اللاجئين هم الحكومات العربية التي أوعزت للفلسطينيين بترك ديارهم— رغم أن هذا الادعاء دحض من قبل كثير من المؤرخين الإسرائيليين. كما أن إسرائيل استوعبت اللاجئين اليهود من البلدان العربية ومن العالم، وينبغي على العرب أن يدمجوا الفلسطينيين في مجتمعاتهم.

أما بالنسبة للدولة الفلسطينية فإن احتمال تشكلها تحت المبادرة واردة ولكنها ستكون منقوصة السيادة. فنتنياهو لا يريد دولة فلسطينية تهدد أمن إسرائيل. رغم أن أكثر من عشرين دولة عربية لم تنل من إسرائيل شيئاً في السبعين سنة الماضية. فالدولة المتصورة لدى إسرائيل هي دولة أكثر من حكم ذاتي، وأقل من دولة ذات سيادة.

وبالنسبة للمستوطنات الإسرائيلية، فإن إسرائيل ستضم المستوطنات الرئيسة إلى إسرائيل. وبالمقابل ستعطي الفلسطينيين ممراً يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن الممر لن يكون تحت السيادة الفلسطينية بل الإسرائيلية. فاقتطاع حوالي عشرة بالمائة من أراضي الضفة لن يقابله أراض إسرائيلية، ولكن حق الاستخدام للأراضي الإسرائيلية لربط الإقليمين الفلسطينيين.

إذا كان هذا الواقع الذي يواجه الفلسطينيون، فما هي خياراتهم في ضوء ميزان القوى المحلية والإقليمية والدولية؟ هناك عدة خيارات عند الفلسطينيين لكن أحلاهما مر. الخيار الأول، أن يقبل الفلسطينيون بهذه المبادرة على انه أفضل الموجود وبكل تأكيد أفضل من وضع الفلسطينيين الحالي. وأن الفلسطينيين يجب أن يظهروا بمظهر إيجابي وبواقعية سياسية تملؤها الظروف الحالية. وأن الفلسطينيين دعاة سلام لا دعاة حرب. وقد فوت الفلسطينيون فرصاً من قبل ولا يجب أن يفرطوا في هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة.

أما الخيار الثاني فهو أن يقبل الفلسطينيون بالمبادرة ويطالبون ببعض التعديلات بالنسبة للاجئين والمستوطنات ووضع القدس على مبدأ خذ وطالب. ولكن الخوف من أن المبادرة توضع بشكل إما أن تؤخذ بكاملها أو ترفض بكاملها. ففي هذا الحين يقبل الفلسطينيون بالمبادرة ويضعون تعديلات بناء على الشرعية الدولية والاتفاقات السابقة.

الخيار الثالث أن يرفض الفلسطينيون المبادرة برمتها على أساس أنها غير منصفة ولا تلبي الحدود الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني وتعارض القوانين الدولية والاتفاقات المبرمة بين الطرفين. وقد يفضي هذا الرفض إلى اشتعال انتفاضة ثالثة قد يجلب قمعاً من الجانب الإسرائيلي وعسكرة للانتفاضة الفلسطينية. وهو طريق سيؤدي بالضرورة إلى مواجهات دموية.

الخيار الرابع أن ترفض السلطة الفلسطينية ليس المبادرة وحسب، بل وترفض حل الدولتين من الأساس. ويبدأ الفلسطينيون بحركة حقوق مدنية لا تختلف كثيراً عن تلك التي قام بها الأميركيون من أصول أفريقية في ستينيات القرن الماضي، أو كما فعل السكان الأفارقة في جنوب أفريقيا ضد نظام الأبارتايد، أو نظام الفصل العنصري. ويعمد الفلسطينيون في مسعاهم للحصول على حق المواطنة ضمن دولة متعددة الأعراق والأديان. وحتى يكون لهذه المطالب صدى دولي خاصة في العالم الغربي كما حصل بالنسبة للنضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فعلى الحركة أن تسعى لتدويل حركتها وخاصة في الولايات المتحدة مركز الدعم الأكبر لإسرائيل. ولتكسب تعاطفاً دولياً كبيراً، عليها تبني استراتيجيات المقاومة السلمية وتنأى بنفسها عن الوسائل العنيفة، حتى في وجه الاستفزازات الإسرائيلية.

ومن المهم حشد الرأي العام العالمي وتنشيط هيئات المجتمع المدني في كافة دول العالم، خاصة المنظمات المتعاطفة مع قضايا العالم الثالث ومنظمات الحقوق المدنية والإنسانية. كما يجب أن يصاحب هذه التعبئة العالمية والإقليمية والمحلية عمل دبلوماسي حثيث تسانده الدول العربية، والإسلامية والمنظمات الدولية.

وقد يرى البعض أن هناك إمكانية جمع أكثر من خيار من هذه الخيارات لمواجهة مبادرة ترامب الجديدة. المهم أن هذه الخيارات موجودة ولن تكون المبادرة نهاية المطاف ما لم يدب اليأس إلى الجسم السياسي الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية.

 كاتب وأكاديمي