نعم.. القرار غير بريء، بل إنه صادم وكاشف لأحدث صيحات الحمائية التجارية التي تنتهجها الإدارة الأميركية، ضاربة عرض الحائط بأهم القيم الرأسمالية التي تتغنى بها الولايات المتحدة ليل نهار في وجه النظم الاقتصادية المغايرة.
والحديث هنا عن حظر إدخال أجهزة الكمبيوتر المحمولة واللوحية والألعاب الإلكترونية إلى مقصورات الطائرات المتجهة مباشرة إلى المطارات الأميركية من سبع دول عربية، هي الإمارات والأردن ومصر والسعودية والكويت وقطر والمغرب بالإضافة إلى تركيا.
القرار الذي بدأ تطبيقه أمس على 9 ناقلات، 5 منها خليجية، لا تصمد مبرراته أمام أي عقل أو منطق، فهو اختار هذه الناقلات من دون غيرها، بل انه استثنى الناقلات الأميركية التي تنطلق من نفس المطارات، والأدهى من ذلك أن خبراء أمن الطيران وكذلك علماء التكنولوجيا احتاروا في تفسير الفارق بين خطر هذه الأجهزة، وهي في المقصورات، مقارنة بخطرها داخل مخازن الأمتعة على الطائرات ذاتها.
وبالطبع لا تفسير ولن يكون هناك تفسير والدواعي الأمنية مجرد حجة جديدة يسوقها من اتخذ هذا القرار ومن يقف وراءه، خصوصاً أن الناقلات المعنية مشهود لها باتباع أعلى معايير أمن وسلامة الطيران، وليس في سجلاتها أية حوادث تذكر في هذا الصدد.
وليس غريباً أن يلجأ "لوبي الناقلات الأميركية" إلى الضغط بهدف إصدار مثل هذا القرار، بعدما فشلت في منافسة الناقلات الخليجية طوال سنوات، كما تبين بالدليل القاطع كذب ادعاءاتها بشأن هذه الناقلات على دعم حكومي، وكذلك فشلها سابقاً في استعداء الكونغرس ومتخذي القرار في فرض عقوبات على منافسيها الخليجيين.
الأغلب أن الناقلات الخليجية خصوصاً "الإمارات" و"الاتحاد" لن تتضررا كثيرا من هذا القرار التمييزي الرامي إلى التأثير في خيارات وتفضيلات المسافرين عبر الأطلسي، ليهجروا ناقلاتهم الخليجية الأكثر رفاهية وكفاءة إلى نظيرتها الأميركية، ولكن التجربة أثبتت قدرة الشركتين على التكيف مع التحديات وتحويلها إلى فرص، وهو ما لاحظه المراقبون مع بدء تنفيذ القرار، إذ تسعى الناقلتان إلى توفير بدائل ترفيهية لركابها في رحلاتهم الطويلة إلى مطارات بلاد العم سام.
وما من شك في أن مثل هذا القرار سيلحق بالمحاولات السابقة التي فشلت في سحب بساط الريادة عالمياً من الناقلتين الإماراتيتين، وسيظل دليلاً آخر دامغاً على أن معقل الرأسمالية في العالم لا يحترم قواعد اللعبة عندما يتعارض الأمر مع مصالحه، فحينها "لتذهب آليات السوق والاتفاقيات الدولية والأجواء المفتوحة إلى الجحيم"، كما يقول الأميركان.
وعليه فإن بحث استدعاء مبدأ المعاملة بالمثل أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.