فكرة المنظمات التي تدرب الشباب على الثورات، ليست وليدة العصر الحديث ولا هي من أفكار القرن الواحد والعشرين، بل هي قديمة قدم الإنسان وإن اختلفت الأشكال والأساليب والتسميات، وكم ملك غفل عنها فأردوه قتيلاً يشخب دمه وهدّمت قصوره وأُذل أهله، وعليه أن يحمل خسارته ويتحمّل هوانه بما أضاع في أيام غفلته عن وضع خطط المواجهة مع الأعداء ومناوءة الحاقدين، بالسيوف المرهفة والعقول الحذرة، فإنهم يتربصون ويتحالفون ويتناصرون ويسعون في الأرض فساداً، تدفعهم الأهواء وتثيرهم شهوة الانتقام وإراقة الدماء، ويعجبهم أن يروا عباد الله مفرقين مختلفين متحاربين، ولا يهمهم إلا الوصول إلى كرسي الحكم وبلوغ نشوة السلطة التي ليسوا لها بأهلٍ، حتى يذيقوا الناس أنواع البلاء وألوان العذاب والعياذ بالله.
"أوتبور" من هذه المنظمات الحديثة في تكوينها والقديمة في فكرها ونهجها وتأثيرها، ولهذا عندما طبّقت أعلى المعايير في التخطيط الثوري، نجحت في إسقاط حكم رئيس "صربيا" القوي، فتبنتها القوى الكبرى الصهيونية وغيرها مباشرةً، وقامت بإمدادها بالمال والرأي وكل ما يحتاجونه لنجاح مهماتهم السرية، ليحركوا الشعوب ضد حكوماتهم التي لا ترضى عنها تلك الدول الكبرى التي تعمل هذه المنظمات لصالحها، ولهذا بعد أن أعلنت أمريكا خطتها عن الفوضى الخلاقة ورسمت خارطة العالم الجديد في سنة 2003، تم توجيههم مباشرة إلى جورجيا وقاموا بتدريب الشباب على الثورة، فانطلق أصحاب الثورة الوردية وثاروا حتى انتصروا بنفس الطريقة التي اتبعها ثوار صربيا، وكأنّ المعادلة التي يتم تركيبها لا نتيجة لها إلا سقوط الحكومة بكل براعة، وكذلك يفعلون!
بعد نجاح "أوتبور" في مهمتها بتمويلٍ أميركيٍّ محضٍ، تحولت إلى مركز لدراسات التغيير بدون عنف وسميت "كانفاس"، معتمدة على تعاليم اليهودي الأمريكي "جين شارب" الذي يعد أباً للحراك السلمي للشعوب. و"جين" هذا يدرس العلوم السياسية في جامعة "ماساتشوستس" في "دارتموث" الأمريكية منذ 1972، وقد أنشأ في سنة 1983 معهدا سماه "ألبرت أينشتاين"، يقوم بدراساتٍ لنفس الغرض الخبيث في إثارة الشعوب وتحريك الشباب للقيام بالثورات. ومن العجائب أنّ زوجة "جين شارب" التقاها عدة مرات المدعو طارق سويدان في المغرب، وسأتحدث عن هذا الموضوع في مقالٍ آخر عندما أنتهي من سلسلة الثورات الملونة "الأتوبورية" خارج الخليج العربي.
لعلكم شاهدتم شعار اليد المرتفعة إلى السماء وهي قابضة أصابعها كأنّها تَلكم شخصاً بقوة، والتي استخدمت في كل ثورات الربيع العربي المشؤوم، هذا هو شعار منظمة "أوتبور" الثورية الصربية التي يفتخر قائدها "سيرجيو بوبوفيتش"، كما جاء في الفيديو الذي بث مؤخراً ويظهر فيه تدريب عناصر من حركة 6 إبريل المصرية في صربيا، وفيه يقول "بوبوفيتش": إنّ الحركة نجحت في تدريب نشطاء سياسيين من 37 دولة للعمل على إسقاط حكوماتهم. ثم افتخر بنجاح منظمته في عدة ثورات قامت "أوتبور" بتدريب الشباب فيها، مثل: جورجيا وأوكرانيا والهند والمالديف ولبنان وتونس ومصر، ممثّلة في حركة 6 إبريل، وقال: إنّ القائمة مرشحة للزيادة، خاصة في فنزويلا وروسيا وإيران.
ولهذا أقول لكم: حذارِ أيها الأعزاء بعد ما عرفنا كل شيء عن هذه المنظمات الخطيرة، أن نقول: "يا غافل لك الله"، بل علينا أن نُفشل جميع خطط هؤلاء الحاقدين، الذين تحركهم المنظمات الصهيونية العالمية التي تريد تدمير كل بناء لنا وتشويه كل حسن نملكه، من أجل إسرائيل وقوتها واستمرارها كما يحلمون.
وللمقال بقية..