لا يزال السؤال (من ينتصر في ليبيا؟) مؤرّقاً ويقض مضاجع الدوائر السياسية هذه الأيام؟ يا ترى، من يمتلك المفاتيح السّرية للإجابة عن هذا السؤال؟! في العادة، ليست الألغاز السياسية عسيرة على المتكهنين والمحللين الذين أخفقوا ولم يفلحوا في التنبؤ بالثورات العربية في تونس ومصر، وظلت رؤيتهم لا تعدو أن تكون قوالب جاهزة تصلح لإلقائها على جمهور الفضائيات.
البعض يقول ان هناك لعبة دولية لإيقاف الزحف الثوري في المنطقة، وهناك من يقول ان (جيل الفيسبوك) في ليبيا هو ليس ما هو عليه في كل من تونس ومصر لأنه يفتقر إلى التقنيات اللازمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن التطورات المتسارعة والمتلاحقة في ليبيا قلبت موازين التحليلات التي انتهت إلى تشبيهها بما حدث في كل من تونس ومصر، لكن ما يجري فيها، تحوّل إلى ما يشبه اللغز، خارجاً عن كل التنبؤات والتحليلات.
مما لا شك فيه، أن ثمة تماطلا واضحا للعيان من قبل المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات حازمة حيال ما يحدث من صراع وقتال بين كتائب القذافي والثوار، قد تتحول إلى حرب شوارع في المدن المهدّدة بالسقوط من أيدي الثوار. تتأرجح كفة الصراع كل يوم وتخفق القلوب خوفاً وخشية.
ولا يبدو واضحاً من هو المنتصر في النهاية! لأن لا أحد يعلم ما هو حجم الأسلحة والأدوات اللوجستية التي يملكها الثوار أو الجنود الذين انشقوا والتحقوا بهم. يبدو أن من يتمكن من السيطرة على السلاح هو الذي يسيطر على الأرض.
إلى أي مدى يمكن أن تنجح ورقة الحظر الجوي الذي تهدد به الغرب؟ أثبتت التجارب من قبل سواء في العراق أو كوسوفو أن القوات البرية هي التي حسمت الأمر على الأرض، وهذا ما يُخشى أن يقع في ليبيا. وهنا تكمن الكارثة، ليس الآن ولكن فيما بعد. فماذا سيكون عليه مصير الثوار آنذاك؟
هل تتكرر تجربة كومونة باريس والثورة الاسبانية؟
رأينا في تونس ومصر أن بعض الدول الكبيرة ترددت حيال ما حصل فيهما، ولم يتبلور موقفها إلا بعد أن رأت الثورة في هذين البلدين بلغت نقطة اللارجوع، لكنها لم تكن عنيفة كما هو الحال اليوم في ليبيا. فاستخدام الثوار للسلاح طرح أوضاعاً جديدة مما دفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم، الفرنسيون اعترفوا بالمجلس الثوري الانتقالي في ليبيا ربما له أسبابه .
وهي محاولة استرجاع شعبية ساركوزي، بعدما أثير في قضايا علاقاته الأخيرة مع القذافي وقضية وزير الخارجية، وموقفه من الثورات التي جرت في تونس، مصر وليبيا، كما أن ذلك له علاقة بسياسة القذافي وهي منافسته للسياسة الفرنسية في إفريقيا، خاصة العلاقات التي ربطها هذا الأخير مع بعض القيادات الإفريقية وأصبح ينافس فرنسا فيها. برلسكوني هو الآخر يتأرجح ما بين إطلاق التصريحات العمومية والتستر وراء الغموض، وأوباما يفكر في اللعب بورقة الثورة الليبية في الانتخابات القادمة. وبين كل هذه المواقف، يدفع الشعب الليبي الثمن الباهظ للحرية.
لقد أصبح مستقبل موجة الثورات الشعبية في العالم العربي معلقاً على ما سوف تنتهي إليه في اليمن، وليبيا. وتبرز الثورة الليبية، بخصوصيتها وبالموقف منها عربياً ودولياً، لتصبح هي المحك الحقيقي لهذه الموجة التي تعتمد على الحسم العسكري في الميدان، وليس على الحسم السياسي في الشارع. وهذا التطور سيؤدي: إما إلى القضاء على الثورة، أو اشتعال الحرب الأهلية.
ولكن الأمل في الحالة الليبية ينبثق من مقولة ماركس القائلة إن (التاريخ لا يتطور بمشيئة الأفراد) وإلا لاستمر الطغاة في الحكم إلى ما لا نهاية!