كشفت تطورات الأزمة الأوكرانية عن أشياء مثيرة للدهشة والتساؤلات، فبعد الانقلاب على السلطة الشرعية في فبراير من العام الماضي وصل للسلطة في كييف في الحكومة والبرلمان مجموعات يجمعها عاملان مشتركان هما الولاء الكامل للغرب، وخاصة لواشنطن، والكراهية الشديدة لروسيا، ولا مبرر لكلا العاملين، فلا الغرب لديه القدرة أو حتى الاستعداد لمساعدة أوكرانيا وإنقاذ اقتصادها المنهار..

ولا روسيا بالدولة العدو لأوكرانيا وشعبها، بل على العكس تماما، روسيا هي الدولة الوحيدة القادرة والمستعدة لمساعدة أوكرانيا وإنقاذها، ولم يكن لروسيا أبدا أية أطماع في أوكرانيا التي يرتبط شعبها بالشعب الروسي تاريخيا وعقائديا واجتماعيا وثقافيا.

روسيا ليست ضد توجه أوكرانيا نحو الغرب وواشنطن، طالما كان في هذا فائدة لأوكرانيا وشعبها، وطالما لم يتعارض هذا مع مصالح روسيا وأمنها، ومعظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق اللاتي على علاقات وطيدة مع روسيا، في نفس الوقت على علاقات وطيدة بواشنطن وأوروبا، مثل جمهوريات وسط آسيا، لكن أوكرانيا بالتحديد يستخدمها الغرب لأهداف أخرى ضد مصالح روسيا..

ويبدو أن السلطة الحاكمة في كييف لديها الاستعداد الكامل لذلك، ضاربة عرض الحائط بكل الروابط التي تربط البلدين والشعبين، وهذا ما أوقعها في أزمة كبيرة مع الشعب الأوكراني الذي يرفض تماما العداء مع روسيا.

لقد بلغت أزمة السلطة الجديدة في أوكرانيا مع الشعب الأوكراني إلى درجة انعدام الثقة، وليس أدل على ذلك من قرار السلطة في كييف فتح باب التطوع للأجانب في الجيش الأوكراني، رغم تعداد السكان البالغ 45 مليون نسمة والنسبة الكبيرة من الشباب العاطل عن العمل..

وجاء قرار السلطة في كييف الأسبوع الماضي بتعيين رئيس جمهورية جورجيا السابق ميخائيل سكاشفيلي محافظا لإقليم أوديسا الأوكراني ليؤكد مدى عمق أزمة الولاء وعدم الثقة بين السلطة والشعب، كيف لدولة كبيرة ذات تاريخ عريق وشعب له إنجازاته التاريخية أن تختار شخصية أجنبية لإدارة واحد من أهم أقاليمها، وهل يقبل شعب أوديسا هذه المهزلة، ولماذا بالتحديد رئيس جورجيا السابق سكاشفيلي الهارب من بلده والمطلوب أمام القضاء الجورجي بجرائم قتل واختلاس. لا شك أن ما يحدث في كييف إنما يأتي بتوجيهات مباشرة من واشنطن، ولا شك أيضا أن هذه السياسات ستضع أوكرانيا أمام مصير مجهول.