يعد كتاب "قاموس الأمكنة والبلدان الأسطورية" عملا كبيرا، يتجاوز عدد صفحاته 1300 صفحة، وشارك في كتابته أكثر من 160 باحثا من مختلف الاهتمامات والاختصاصات.

ويشرف عليه أربعة من الباحثين المرموقين، وهم: "اوليفييه باتستيني" بالنسبة للأعمال المكرّسة للحقبة القديمة "اليونانية- الرومانية"، "جان جاك فانسونسيني" لأبحاث "العصر الوسيط"، "بيير رونزو" للحقبة الكلاسيكية، جان دومينيك بولي لـ"العالم الحديث والمعاصر".

هذا الكتاب- القاموس هو قبل كل شيء نوع من "الدعوة الى السفر"، ولكن من دون أمتعة ولا حقائب سفر، فقط القليل من الفضول وملكة الاندهاش. ذلك أن "الأمكنة والبلدان" التي يدعو المساهمون قارئيهم الى زيارتها، هي بكل بساطة "أسطورية"، كما يدل بوضوح العنوان الرئيسي للكتاب. وأما الحدود الوحيدة التي سيكون من المطلوب لـ"المسافرين" تجاوزها، فهي تلك "الفاصلة" بين العالم الذي نعيش فيه و"العوالم المتأرجحة بين الواقع والخيال"، وتلك "القصور الضائعة في عباب الغيوم".

ولكن تلك العوالم "الأسطورية"، أصبحت تمتلك "قوة الواقع" من حيث حضورها الراسخ في حياة البشر ودورها في تحديد نمط سلوكياتهم. أليست الأماكن والمواقع التي "اخترعها" اليونانيون القدماء في "الإلياذة" و"الاوديسة" وغيرهما من الملاحم، أماكن حقيقية؟

والتأكيد في هذا السياق على الحديث عن العالم القديم اليوناني والروماني، حول واقع أن تلك الشعوب أنتجت حضارات عريقة انبثقت من الأرض والبحار، وقبل كل شيء، من المخيلة الخلاّقة لأصحابها المبدعين. وكذلك من البحار والأرض انبثقت أزهار الفيلوفر وشخصيات الأبطال الخالدين، كما نقرأ في إحدى المساهمات. ومن تلك الأساطير والأماكن والبلدان الأسطورية، انبثق حوار أبدي بين العالم المادي والعالم الروحاني. وهو حوار بين هنا وما وراء، ما هو ملموس. وميزته الكبرى هو أنه حوار لا ينقطع.

وتتمثل إحدى الأفكار التي يتم تطويرها في العديد من مساهمات "مداخل" هذا الكتاب- القاموس، في القول انه كثيرا ما تتم صياغة الأساطير انطلاقا من التاريخ، ولكن بالمقابل كم من الأساطير غدت تاريخا حقيقيا. وبالتالي ليس من المستغرب أن يتم تكريس العديد من صفحات هذا الكتاب- القاموس، للأمكنة وللشخصيات الأسطورية، والتي تحتل مكانة مهمة في الذاكرة الجماعية للبشر.

إن المساهمين في هذا العمل القاموسي الكبير، يستخدمون مفهوم الأسطوري بمعناه العريض، وذلك على أساس أن جميع الأمكنة التي يتم التعرّض لها فيه، هي أماكن مخترعة بشكل كامل، مثل: "أرض الوسط"، "بساتين الاسفوديل"، "شجرة العالم".

ولكن يتم التعرض أيضا لأمكنة، يقول عنها الكتاب، انها غدت أسطورية عندما دخلت في التاريخ، كروما وفيرساي والبندقية وبابل وغيرها. وهكذا نقرأ مثلا عن جبل اتوس الواقع بالقرب من مقدونيا، والمعروف بخضرته، والذي يتقدم نحو البحر، فهذا الجبل أصبح مكانا أسطوريا، عندما شاعت أسطورة تقول ان :

"العمالقة، أبناء السماء والأرض، قاتلوا عليه أبطال الاولمب". وكانوا يسعون للانتصار على الاله زيوس. ويتم الحديث، في الأسطورة، عن صخور يلقيها "العمالقة"، فتتحول إلى جزر، وعن عواصف تحطم قسما من قوارب المتحاربين على شواطئ "جبل اتوس"، ومقتل الكثير من الجنود -الذين غدوا طعاما لحيوانات البحر. هذا وكان كثر منهم قد غرقوا، بسبب عدم معرفتهم للسباحة، أو قضوا بفعل البرد القارص.

وكذلك يتم الحديث عن بناء قناة، عبر جبل اتوس، للتواصل البحري. وتتم الإشارة في هذا السياق الى أن هيرودوت، أحد أكبر الجغرافيين الذين عرفتهم الإنسانية، كان قد تحدّث عن تلك القناة.لهند كما رآها أرسطو"، اذ يتم التأكيد على أن الفيلسوف اليوناني كان أول مفكري جيله، الذين حاولوا "نزع الصورة الأسطورية" عن الهند، كما كانت تمّت صياغتها عبر قرنين من "الخرافات الأسطورية". لكن بالمقابل قال ارسطو عن الهند انها تبقى بعيدة جدا، إلى درجة أنه لا يمكن صياغة معرفة موضوعية حيالها. وذلك ليس بسبب عدم توفر العقل النقدي الذي يمنع ذلك ولكن بالأحرى بسبب نقص الملاحظة المباشرة.

وفي المحصّلة يقيم أرسطو نفسه مفهوما زاخرا بالأوهام، وبناءً على فتوحات الاسكندر لها، وبما في ذلك عدد من الأوهام الجغرافية الخاصة، بقرب أو بعد الهند، من البحار والمحيطات. ولم تكن تلك الأوهام بعيدة عن مغامرة الاسكندر المقدوني، في شبه القارة الهندية.

وهذا الكتاب يتجاوز في معلوماته واقع تجسده مجرد أطلس أو قاموس، اذ انه ثمرة عمل أشهر طويلة، وقام بانجازه ما يزيد عن 170 باحثا، من مختلف الميادين والمشارب المتعلقة بالتاريخ والجغرافيا وعالم الأساطير. وكذلك دعوة للسفر إلى بلدان لن يتم الوصول إليها أبدا، فأرضها هي الأساطير، وليست حقائق الجغرافيا والتاريخ.

 

 

 

 

الكتاب: قاموس الأمكنة والبلدان الأسطورية

تأليف: اوليفييه باتيستيني وآخرون

الناشر: روبير لافون باريس 2011

الصفحات: 1304 صفحات

القطع: الصغير

 

 

 

 

Dictionnaire des lieux et pays mythiques

Olivier Batistini et

Robert Laffont - Paris- 2011

1304 p.