اشتهرت باريس على أنها مدينة النور والفن. ونال حي مونبارناس في قلبها، شهرة كبيرة في مجال الفن والفنانين، خلال سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

ومن أولئك الفنانين المشاهير: البرتو جياكوميتي، الذي كان ارتبط، خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته، بعلاقة عاطفية مع عاملة في أحد المقاهي، اسمها كارولين. وكارولين هذه، كانت الموديل الأخير. وهي التي يكرّس الكاتب الفرنسي فرانك موبير، كتابه الأخير للحديث عن قصتها مع الرسام والنحّات البرتو جياكوميتي، تحت عنوان: "الموديل الأخير".

ويقول المؤلف ان كتابه، وُلد من نظرة. وهي تلك النظرة المرسومة على وجه امرأة في لوحة تحتويها إحدى صالات متحف الفن الحديث في باريس، وصاحب اللوحة هو جياكوميتي الذي تباع أعماله، اليوم، بأغلى الأثمان في العالم، والمرأة صاحبة النظرة هي كارولين. وأما تاريخ تلك اللوحة فيعود إلى عام 1965، أي إلى عام واحد فقط، قبل وفاة الفنان نفسه في عام 1966.

علقت تلك النظرة في مخيلة المؤلف فرانك موبير، بكل ما فيها من مشاعر عميقة، ثم وجد نفسه ذات يوم، وبعد عقود عديدة، أمام النظرة "ذات الصفاء المفترس" نفسها، كما يصفها، وذلك في شقّة متواضعة من مدينة نيس الفرنسية، تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. وقابل في ذلك اليوم، كارولين الموديل الأخير، والحب الأخير، كما يضيف، للرسام الكبير البيرتو جياكوميتي.

التقت كارولين بجياكوميتي ذات يوم في شهر نوفمبر، من العام 1958. وكان عمرها 20 سنة، بينما عمره هو 60 سنة. وكانت قد وصلت إلى العاصمة باريس، قبل فترة وجيزة من الزمن، ووجدت عملا كنادلة في مقهى بحي المونبارناس. وتعلّق الفنان بها سريعا. واصطحبها معه إلى ورشته الفنية، حيث وقعت هي نفسها تحت سحر تلك المنحوتات الباهرة، والتي كان من بينها: العمل الشهير الرجل الماشي. وهو أغلى عمل في تاريخ النحت، حتى اليوم.

وتقول كارولين عن أعمال نحت جياكوميتي: ".. انتابتني أمامها، حالة من الذهول.. ولم أكن أتصور أبدا، أنه يمكن لمنحوتات أن تفرض نفسها إلى تلك الدرجة.. كانت واقفة كالبشر، بل وكانت تعطي الانطباع، بأنها تتنفس أيضا. نعم كانت حيّة، كانت حيّة".

إن هذا الكتاب هو عن كارولين: "الموديل الأخير" و"الحب الأخير" لجياكوميتي، ولكنه أيضا عن جياكوميتي نفسه، وعن عالمه وعن لقاء مؤلف الكتاب به، وذلك عندما الثاني فتى يافعا، إذ كان ذلك في عام 1964. ويروي المؤلف أنه عندما قرع باب المنزل الذي يسكنه، كان يرتجف من شدة إعجابه بالعملاق الفني الكبير.

وكان جياكوميتي في غاية التواضع، عندما يجيب عن الأسئلة الموجهة إليه. ومن الأحكام التي أصدرها عن سلفادور دالي قوله: " قال لي ذات يوم: سأصبح أكبر محتال في عصري. كان بذيئا في الحديث، ولكنه مع ذلك، رسّام كبير". وعن بابلو بيكاسو يقول: "إنه فاسق ومدمر. وفي الوقت الذي كان يقول فيه انه صديقي، فعل كل شيء من أجل دفعي الى فقدان الثقة بنفسي. لقد حطّم كل شيء: أصدقاءه ونساءه وموديلاته".

ويؤكده المؤلف أنه، وبعد عدة عقود، عندما التقى بكارولين، وجد نفسه أمام النظرة نفسها، التي شاهدها في اللوحة التي تحمل اسمها في متحف الفن الحديث في باريس. وهي تعبر، حسب ما يقول، عن وحدة عميقة وألم لا نهاية له. ومن خلال النظرة عينها، روت له كارولين جياكوميتي، كما عرفته، والذي كان شخصا آخر، غير الذي نعرفه، وأنه كان يحب الحياة والفرح.

كانت كارولين تجلس أمامه تماما، كما رآها في اللوحة. ولكن على كرسي من البلاستيك، وكذلك كانت تعيش في وسط يدل على أنها تعاني الفقر. وهي المرأة التي عاشت بقرب البرتو جياكوميتي، خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته.

وكذلك المرأة التي تخلّى بناء على طلبها، عن أن يمضي السهرة مع الممثلة الشهيرة مارلين ديتريش. والمرأة التي كان في غاية السرور عندما رافقها إلى لندن، ليتناولا معا بصحبة الرسام الكبير فرنسيس بيكون، وجبة العشاء.

 

 

 

 

الكتاب: الموديل الأخير

تأليف: فرانك موبير

الناشر: فايار ميل اي اون نوي باريس 2012

الصفحات: 128 صفحة

القطع: الصغير

 

 

 

 

Le dernier modèle

Franck Maubert

Fayard- Mille et Une Nuit - Paris- 2012

128 . p