للمستشرق الهولندي سنوك هيرغرونيه Snouk Hurgronje الذي زار بلاد العرب في القرن التاسع عشر، سجل أثناء إقامته في مكة بعض الأمثال والألغاز المكية. كما اهتم المستشرق كارلو لاندبرج Carlo Landberg 1924-1848 وهو مستشرق سويدي أمضى في الشرق سنوات عديدة.
وكان مهتماً بلهجة حضرموت، و جنوب الجزيرة العربية، والذي أصدر فيما بين عامي 1901-1913 كتابه الضخم عن لهجتي حضرموت ودثينة، وله مؤلف بعنوان «لهجة بدو قبيلة عنزة»، ولكن مؤلفه هذا قيمته العلمية ضئيلة كما ذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه موسوعة المستشرقين، وأسباب ذلك أن الرجل الذي اعتمد عليه لاندبرج في تدوين ألفاظ هذه اللهجة لم يكن بدوياً من قبيلة عنزة، بل كان فلاحاً نصرانياً من حوران (جنوب سورية).
ولهذا نقده ج. كانتينو J.Cantineau في كتابه «دراسات عن لهجات الشرق» ج1، الجزائر، 1936. وفي السنوات الأخيرة من عمره كرّس لاندبرج نفسه للعمل في قاموس دثينة Glossaire datinois (قاموس لهجة دثينة في جنوب الجزيرة العربية)، وقد أصدر منه الجزء الأول عام 1920، والجزء الثاني في 1923، وتوفي قبل ان يصدر الجزء الثالث وهو الأخير، وكان قد أعده للطبع، فقام زترستين Zettersteen بطبع هذا الجزء الثالث الذي خلّفه لاندبرج بعد وفاته.
كذلك توفي لاندبرج قبل أن يطبع كتابه (معجم لهجة بدو عنزة) فتولى زترستين طبعه عام 1940م، وهذان المعجمان لم يقتصرا على الألفاظ وشرح معانيها فقط، بل فيهما أيضاً محاولات لتفسير اشتقاق هذه الألفاظ. وكان لاندبرج يعتقد، كما اعتقد مواطنه السويدي هرمن موللر Hermann Müller أن ثَمَّ قرابة عتيقة بين اللغات السامية واللغات الهندية والجرمانية. كذلك كان لاندبرج يورد مع الألفاظ شواهد من الأدب الكلاسيكي وملاحظات نحوية، كما كان يقارن بين اللهجات العامية العربية المختلفة.
كما نشر المستشرق الألماني جورج كمبفماير G.Kampfmeyer (1936-1864م) بحثاً في لهجات الحجاز واليمن عنوانه (لهجة قبائل اليمن وما جاورها من جنوب الجزيرة العربية)، كما نشر العديد من البحوث في علم اللهجات العربية.
ويُعَد ما جمعه كانتينو، في بحوثه من أكثر المواد أهمية بمنطقة شرقي الجزيرة العربية، وقد قدم في دراسته تحليلاً صوتياً كاملاً وآخر صرفياً مفيداً لعدد كبير من لهجات شرقي الجزيرة العربية. ونشر المستشرق الألماني ج.هس J.Hess بحثاً في (لهجة نجد الحالية) تُلِيَ في مؤتمر المستشرقين الذي عُقِدَ في فيينا عام 1912م، كما نشر سنة 1938م كتاباً عن الملامح الصوتية والصيغ النحوية في لهجة قبيلة عتيبة، كما أصدر مقالتين عن اللهجة الدوسرية (قبيلة الدواسر) سُجَّلتَ مادتها في الكويت.
* لهجات جنوب الجزيرة
للمستشرق النمساوي رودوكاناكس Nikolaus Rhodokannkis (1945-1876م) عناية خاصة بلهجات جنوب الجزيرة العربية، ففي سنة 1904م تلقى من لسان أحد سكان جنوب الجزيرة العربية، وكان قد قَدِمَ إلى فيينا مع هاين Hein (الشخص الذي اخذ منه النصوص)، فدَّون نصوصاً نثرية وشعرية بلهجة إقليم ظفار (من سلطنة عمان)،وقام رودوكاناكس بنشرها مع ترجمة ألمانية، وفي عام 1908م، وفي المجلد الثامن مجموعته (الرحلة الاستكشافية في جنوب جزيرة العرب Südarabische Expedition) ووضع لها نحواً ومعجماً لشرح معاني الكلمات.
وفي عام 1910م كتب بحثاً عن (تركيب اللهجة المِهْريّة Zur formlehre des Mehri) التي تتكلمها قبائل المهرة في جنوب الجزيرة العربية، وبعد لهجتي ظفار والمهرة اتجه الى لهجة قتبان (في عمان أيضاً) فدرس اللهجة القتبانية ونشر نصوصاً بلهجة قتبان في جزأين، بعنوان نصوص قتبانية تتعلق بالفلاحة Katabanische Texte Zur Bodenwirtschaft.
أما المتشرق روسي Rossi وهو من أشهر العلماء الذين درسوا لهجة عدن وحضرموت، وكتب عدة مقالات عن اللهجة العربية في تلك الأصقاع، وذلك أبان تكليفه من قبل الحكومة الإيطالية بالسفر الى جنوب الجزيرة العربية (اليمن)، فأقام فترة طويلة، تمخضت عن كتاب بعنوان: زالعربية كما يتكلم بها في صنعاء، نحو، نصوص، مفرداتز نُشِرَ في روما عام 1934م.
ويعد المتشرق جلازر Edwrd Glaser (1908-1855م) أشهر من نَقّب عن نقوش جنوبي الجزيرة العربية، وهو آثاري ورحالة، يهودي الديانة، ولد في 15 مارس سنة 1855م في يودرزام (بوهيميا في جمهورية التشيك اليوم) وتوفي في منشن في 7 مايو سنة 1908.
وعدا جهوده في جمع النقوش العربية الجنوبية (السبئية والمعينية) وكونه حجة في هذا المجال، إلا أنه وكونه كان رحالة فقط اهتم بوصف القبائل التي شاهدها أثناء تجواله أبان قيامه برحلته الأولى إلى جنوب الجزيرة العربية عام 1882-1884م حيث بدأها من الحويّدة (اليمن) ومنها إلى صنعاء، وسودة، وأرحب وحاشد. فكتب تقارير ودراسات عن مشاهداته منها «رحلاتي خلال قبائل أرحب وحاشد» نشر في 1884م، وله أيضاً من الحديدة إلى صنعاء من 24 أبريل إلى أول مايو سنة 1885 وله «عن أسفاري في الجزيرة العربية».
كما ألف كتباً في مجال الرحلات والمشاهدات وثقافات القبائل وجمع النقوش القديمة والتي أخذها من اليمن إلى أوروبا وتوجد اليوم في متاحف ومكتبات برلين، ولندن، وباريس، وفيينا. كما أخذ معه العديد من المخطوطات العربية التي جمعها من تلك المناطق. أما أهم مؤلفاته (الكتب) فهي: «مشاكل خاصة بجنوب الجزيرة العربية» نشر في براغ عام 1887م، و «مخطط تاريخ وجغرافية الجزيرة العربية من أقدم الأزمنة حتى زمان النبي محمد» نشر في 1890م، وله أيضاً الأحباش في الجزيرة العربية وأفريقيا نُشر هذا الكتاب عام 1895م.
كما له كتاب بعنوان «عُمر النقوش المعينية والأصل في اسم العبريين» نشر سنة 1897م، وكان قد قام بعد رحلته الأولى، بثلاث سفرات أخرى (1885ـ 1886 و1887 ـ 1888 و1892 ـ1894) فنزل في الحُديدة أيضاً، ومنها سافر إلى صنعاء، ثم وصل إلى أقليم ظفار ورجع إلى نواحي عدن. وعلى الرغم مما تعرّض له من أخطار ومتاعب الإ أنه عاد منها بقدر هائل من النقوش السبئية وبعضها من النقوش الأصلية، والبعض الأخر نُسَخ منها وكتب عنها أبحاثه وتقاريره وكتبه تلك.
وللمستشرق النمساوي بتنر Maximian Bitiner إسهامات متعددة في مجال اللهجات العربية فقد انصرف في حياته تماماً إلى دراسات اللهجات في جنوب الجزيرة العربية وأبدى اهتماماً خاصاً وكتب عن اللهجات: المهرية، والسقطرية (لهجة سكان جزيرة سقطرة) والشحرية (لهجة قبائل الشحرة).
وقَدّم المستشرق الايطالي اجنتسيو جويدي أو مايعرف بـ (جويدي الكبير) تمييزاً عن ابنه (مايكل انجلو - أوجويدي الصغير) عالم الساميات الشهير، عدة دراسات مؤلفات تعد اليوم من المصادر المهمة عن لهجات جنوب الجزيرة العربية، فكان على رأس علماء الحبشية، فقد دفعه اهتمامه باللغة الحبشية إلى جانب الاستطلاع العلمي الذي شُغِفَ به إلى وضع العديد من المؤلفات المهمة، منها ما نشره من النصوص الحبشية وجلها يتعلق بالتاريخ الكنسي، والأساطير الخاصة بالقديسين، وأشعار دينية، ونصوص للطقوس والترانيم، وأشعار شعبية بهذه اللغة- إلى جانب ذلك نشر العديد من الكتب منها:
«شعوب الحبشة ولغاتها» و«الحبشة القديمة» كما كان يتكلم الأمهرية بطلاقة على الرغم انه لم يزر ارتيريا ولا الحبشة في حياته. كما عني جويدي باللغات: الحميرية والسبئية والمعينية، ونشر قاموس اللغة الأمهرية ـ لغة الحبشة الذي ظهر عام 1901م في روما.
ولعل من أهم ما كتب عن لهجات المنطقة، الدراسة التي تقدم بها المستشرق ت.م.جونستون T.M.Johnstone إلى جامعة لندن لنيل درجة الدكتوراه بإشراف البروفيسور سيرجنت R.B.Serjent وحصل عليها عام 1962م، وقد نشرت الرسالة ضمن مطبوعات جامعة اوكسفورد Oxford عام 1967م، بعنوان دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية Eastern Arabia Dialect Studies، وقد ترجمها الى العربية الدكتور أحمد محمد الضبّيب الأستاذ المشارك آنذاك بكلية الأداب بجامعة الرياض.
وقدّم لها الدكتور الضبيب بمقدمة إضافية لا تقل أهمية عن الدراسة لما لها من قيمة علمية ومعرفية، استعرض فيها بدايات اهتمام الباحثين بدراسة اللهجات عند العرب قديماً وصولاً إلى العصر الحديث، وأعمال المستشرقين الذين اهتموا بدراسة لهجات شبه الجزيرة العربية وسواحل الخليج ودفاعه عن هذا النوع من الدراسات العلمية الجادة منذ هجوم من اعتقد ان هذا النوع من الدراسات يُعد وجهاً من وجوه محاربة الفصحى.
لقد بقي تتبع لهجات القبائل في الجزيرة العربية من خلال أشعارها النبطية أو الشعبية، قصراً على أولئك المستشرقين سواءَ كانوا من اللغويين الفيلولوجيين، أو من الرحالة المستعربيين، وربما جاءت بعض الاستشهادات بشعر القبائل النبطي في بحوث مختلفة ومتنوعة غير مقتصرة على (لهجاتها) فقط.
ولعل أصلح اللهجات وأقربها الى الفصحى في الجزيرة العربية فيما نعتقد، وهي اللهجات اليمانية الواقعة ما بين جنوبي الحجاز وشمال اليمن كما يشير فؤاد حمزة في كتابه «قلب جزيرة العرب» فإن أهل هذه البلاد يلفظون هذه الكلمات من مخارجها الصحيحة ويتكلمون بما هو أقرب إلى الفصيح من سواه.
وبعض البُداة من أهل هذه المنطقة يُخرجون جُملاً يظن منها الانسان أنهم تمرنوا في المدارس على إخراجها على ذلك النحو بينما ان الحقيقة هي بخلاف ذلك لأنهم يتكلمون بالسليقة وعلى البديهة فيجيء كلامهم فصيحاً معرباً لا غبار عليه. ويستعملون ألفاظاً نظنها كما يشير فؤاد حمزة، في الأقطار العربية المتمدنة مهملة متروكة ولكنهم هم يستعملونها على البداهة.
وبالرغم من وجود قبائل تتكلم بأقرب اللهجات إلى الفصحى فإن هناك كثيراً منهم يخرجون الحروف والألفاظ من الحلق على خلاف ما وُضعت له، كما أن هنالك حروفاً تنقلب إلى أشكال وصور أخرى لا تخطر على البال وتُنسى الشنشنة والتمتمة والكأكأة وغيرها بجانبها.
ويورد حمزة بعض الأمثلة الى ماذهب إليه، فيشير إلى أن (حرف الجيم) يلفظ (ياءً) في كلمة (مسجد) لتصبح (مسيد) عند أهل اليمن والنمور (قبيلة مفردها نمري) وفي وادي محرم، بينما يلفظ أهل نجد (القاف والكاف) حرف (تْسَ) لتتحول كلمة (حكى) مثلاً على (حتسى) وتبدو التاء خفيفة في لفظها فينطق حرف الكاف كالجيم المصرية المفخمة، كما ينطقون (القاف) جيماً، كما في كلمة (العقير) التي تنطق (العجير).
أما بنوسفيان (قبيلة) فيقلبون حرف (الضاد والظاء) لاماً، كما في كلمتي (الظهر- اللهّر)، و(الضيف - اللّيف)، ويقلبون حرف (الياء) الى مابين الألف والياء كما في كلمة (مطير - امطاير) ويقلب أهل اليمن (أل التعريف) ميماً، كما في كلمة (البيت - أم بيت).
وعربان شمر وسائر أهل الجبل يلفظون التاء المربوطة كالتاء الممدودة، فيقولون للفهدة الفهدت، الساعة الساعات، كما أن بعضهم يقلب التاء المربوطة ياء فيقولون في (الحويطات - الحويطاي)، و(الشرارات- الشراري).
يتطرق بعد ذلك إلى شعر هذه القبائل النبطي، وهو يعتبره من حيث أداء المعنى وإفادة السامع يقوم مقام الشعر الصحيح، وفيه كثير من التوريات والكنايات والمجازات لكنه على كل حال لا يتقيد بضوابط الصرف والنحو والمعاني والبيان، ثم يورد نماذج لإشعار بعض القبائل (بلهجاتها التي قيلت فيها)، منها قصيدة للشاعر خضر بن عويد النمري، أوردها تحت عنوان: نبط حجازي، يقول في مطلعها...
انتبه للخط خلّيه بثبات
لا تعيّن في علوم مقفيات
كم صبي فارق الدنيا ومات
راح مثل العيد ومن العايدين
اسمع اقوالي وجّود في الكتاب
شابت اللحية وشوف الراس شاب
ما يبي يقعد على الدنيا شباب
كل منّا للمحاسب رايحين
يورد بعدها قصيدة تحت عنوان: نبط عتيبي لأحد العتبان، يقول مطلعها..
يا عم وا وجدي على وْساق حُرّة
بعيدة المرماح لو درْت أنا الوُرك
نشرب حطافيل القلِسْ يوم أفرّه
والجيش من فوق الجواعد لهن عُرك
وعن لهجة شمر، يورد قصيدة شهيرة من شعر عبيد بن رشيد، يقول فيها..
هيه يا اللي لك مع الناس وَدّاد
ما ترحمون الحال يا عزوتي ليه
ما ترحمون اللي غدا دمعة أبداد
طول الزمان وحرّق الدمع خديه
من شوفتي للغرّ وفر بود الأنهاد
متمشلح يطاعلى قِدام رجليه
الشوك ما له عن مواطيه رَدّاد
ايضاً ولا سِبْتٍ قويّ يوقّيه
وعبيد بن رشيد هو شاعر شمر الشهير وفارسها، وهو قائل البيتين الشهيرين:
كم خيّرٍ عان لنا شاكي الجوع
حاديه من لوعات الأيام حادِ
لو ما نعرفه راح منّا بمطموع
من راس مالٍ نجمعه للنفادِ
وتحت عنوان: نبط عنزي (من شعراء قبيلة عنزة) يورد هذه القصيدة لأحد موالي العمارات (بطن من عنزة) في امرأة عشقها وأخُرِجَ من ديرتهم بسببها، فلما رحلوا عن المنزل عاد إليه يذكر المرأة ويبكيها...
أبكي هلي ياناس ماني بمليوم
والظن من يبكي هَلَه ما يلامِ
جيت المراح وصار بالقلب ملعوم
منازل الخلان هم والعمامِ
هذا مشب النار والحجر مثلوم
مَرْكا دلال متعبات الشوامِ
وهذي مرابط خيلهم دايم الدوم
عقب العيون مُروبعات الهواميِ
أقفوا كما طير قلب راسه الهموم
بفج عميق ولا يندرى وين هام
ولقبيلة (العجمان) لهجة مميزة، وتعد قبيلة العجمان من أكبر القبائل البدوية التي وفدت الى معظم دول الخليج كالكويت والبحرين وقطر وهنا في دولة الإمارات من نجد، ولهجتهم جميلة، وهي مغايرة للهجة الحضر والبدو المقيمين في الكويت على سبيل المثال، فقد اشتملت لهجتهم على خصائص صوتية كانت شائعة في اللهجات العربية القديمة، ثم أخذت في الانقراض من اللهجات المعاصرة كالشنشنة (والتي تذكرنا بمطلع الأغنية الشهيرة: ألا يا مرحبابش وباهلش وبالجمل اللي رحل بش...الخ.
أما الكشكشة في لهجة العجمان فهي نطق كاف الخطاب للمفردة المؤنثة شيئاً باطراد، ويطلق العجمان على هذه الظاهرة الوشوشة)، والإمالة، وحافظت لهجتهم على إبقاء صوت الكاف عربياً كما ينطقها مجيدو القراءات القرآنية، سواء كانت هذه الكاف واقعة في صدر الكلمة أو في حشوها أو في عجزها، إذ لم يكشفها النطق المزجي (CH) الشائع في منطقة الخليج العربي ككل، كما حافظت لهجتهم على صوت «الجيم» الذي يختلف عن جيم المجيدين للقراءات القرآنية قليلاً، أي لا تُنطق الجيم ياءً.
إلى جانب كثير من الظواهر الصوتية الأخرى، والخصائص الصرفية والنحوية والدلالية مما فصلته باستفاضة شريفة المعتوق في دراسات القيمة المعنونة «لهجة العجمان في الكويت» الصادرة عن مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية بالدوحة، وإذا ذُكِرَ العجمان فلابد من ذكر فارس وشاعر هذه القبيلة العربية العريقة، الشيخ راكان بن حثلين الأمير الشاعر.
وله قصائد شهيرة تفيض عذوبة ولعل من أشهرها قصيدته التي قالها بعد الإفراج عنه من قبل الأتراك بعد فترة نفيه التي قضى فيها سبعة أعوام في سجون «نيش» في صربيا (يوغسلافيا السابقة) التابعة لتركيا آنئذٍ، بعد أن أبلى بلاءً حسناً وقد استثيرت نخوة الفارس المسلم فيه، وهو يرى جيش الأتراك أنفسهم، وكان قد جُرح في تلك الحرب مما أدى إلى أن يرفع الصدر الأعظم كتاباً يشرح فيه بطولات الشيخ راكان، الذي صار الافراج عنه وإعادته الى وطنه معززاً مكرماً أبسط جزاء على ما قدم.
فجادت عندها قريحته وهو يسمع خبر رجوعه إلى دياره، فقال:
يا خاطري خبّي طوارف طميّة
الى زمن لك لون خشم الحصاني
خبّي خبيب الذيب في جرهدّيه
لي طالع الزيلان والليل داني
تذكّر المشحون ديران حيّه
قسّوا حبال كوارهن بالمثاني
نبغي ندّور طفلة عسوجيّه
ريحة نسمها كالزباد العماني
وهناك من القصيد النبطي الذي يقرب الفصيح الى حد كبير، ونجد في ثنايا قصائد عُرفت بأنها بدوية، شعبيته أو قل نبطية لكثيرين ممن كانوا يمارسون هذا الفن، فنجدها أبياتاً سليمة المبنى والمعنى، يمكن أن تقرأ على أنها شعر فصيح لا غبار عليه، كما يمكن أن تقرأ بلهجة عامية بدوية، فهي شعر بدوي.
والأمثلة في هذا المجال كثيرة، منها ما نظمه على سبيل المثال لا الحصر، عرعر بن دجين في الفخر، وهو واحد من الشخصيات المعروفة في تاريخ الجزيرة العربية خلال القرن الثامن عشر الميلادي فقد كان زعيماً تمثل في قصيدة واحدة فقط، كان المرحوم عبد الله الحاتم أول من نشرها في كتابه «خير ما يُلتقط من شعر النبط»، وهي قصيدة على البحر الهلالي، وعدد أبياتها كما يذكر ناصر السبيعي وابراهيم الخالدي في كتابهما «حديث الصحراء»، أربعة وخمسين بيتاً ويقول فيها:
جضيعي من الهندي مصقول صارم
لما ناش من جثل العظام رماه
وثوبي من البولاد درعٍ وطاسه
يبّين لعين الناظرين سناه
و زلّي وزيني فوق مجتمعة الشوا
كميتٍ من الخيل الجياد غياه
ونروي بخمسٍ صنعة الشام زانها
طرازٍ ومن زبن الجياخ وقاه
أنا راعي الهَدْلا شقا كل عايل
ولو صار قدح الروح فيه سفاه
سفاهتي بالحكي فعل تشوفه
أزينه بافعالي وازيد وراه
فما الشعر الا يفرح القلب ساعة
والافعال تبري للعليل دواه
ترى ذلّكم وذلّي يذلّكم
وعزي لكم عزً براس صفاه
ونجد في قصائد محسن الهزاني شبه قريب بالفصحى، ومنها قوله:
غني النفس معروف بترك المطامع
وليس لمن لايجمع الله جامع
خليلي قم لي في دجى الليل بعد ما
جفا النوم عيني والبرايا هواجع
ومنها كذلك هذه القصيدة للهزاني التي أوردها الباحث إبراهيم الخالدي في «حديث الصحراء» في مناجاة الخالق عز وجل والاستعانة بالمطر:
يا مجيب الدعا يا متم الرجا
أسالك بالذي ياالهي نزل
أسالك غادي ماديٍ كلما
لجّ فيه الرعد حل فيما الوجل
وادِقٍ صادقٍ غادقٍ ضاحكٍ
باكيٍ كلما ضحك مزنه هطل
وامح لي سيّتي واعف عن زلّتي
فانني يا الهي محل الزّلَل
ومنها أيضاً قول بركات الشريف في قصيدة له مادحاً:
عزيز الحجى، بدر الدجى، ركن من الحجى
اليه صدوق الواو والعين والدال
فتيً لايرى الاموال الا و دايعاً
لديه سوى سيف ورمح وسربال
وعدّه بولاد ولدن من القنا
وصفراً علنده من الخيل مصهال
أو قول شايع بن مرداس بن رمال الشمري:
أحب الوفا وأبقى على الطيب والوفا
وعرضي عن الدرب المعيب نظيف
ومن أجمل القصائد النبطية التي قيلت بأسلوب يعبّر عن معانٍ راقية وبلغة عذبة غاية في العذوبة والرقة، تلك القصيدة التي قالها عبد الله بن رشيد حينما رأي زوجته في ظروف خاصة، تمشي حافية في طريق صخرية وقد سال الدم من قدميها، و (حسين) خادمه كان رفيقه الوحيد في تلك الرحلة (والذي يخاطبه في القصيدة)، وقد وردت هذه القصيدة في العديد من الكتب منها (من القائل - لعبد الله بن خميس)، و (الأزهار النادية من أشعار البادية) وغيرها، وهي نموذج من شعر هذه القبيلة العربية (شمر) التي تنتفس شعراً .. يقول الأمير عبد الله بن رشيد...
تأليف: عمار السنجري