هل الفوز بـ 94 ميدالية متنوعة في جميع مشاركات بطلات وأبطال الرياضة العربية في الدورات الأولمبية طوال 100 عام بدأت في الدورة الخامسة في ستوكهولم العام 1912 حتى الدورة الثلاثين في لندن 2012، يعد إنجازاً أم خيبة لأمة يفوق تعداد سكانها حاجز الـ 400 مليون نسمة؟

فإذا كان إنجازاً، ما هو المطلوب تالياً كي نرتقي بالإنجاز إلى مستوى الإبهار، وإن كان خيبة، ما الأسباب، ما الحلول الناجعة لمواجهة المشكلات والمعوقات والمطبات التي تحول دون زيادة الغلة العربية في الدورات الأولمبية التي تعتبر الحدث الرياضي رقم واحد بامتياز وتنتظره جميع دول المعمورة كل 4 سنوات بأمل وطموحات كبرى لدخول سجل الشرف الأولمبي؟

الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها بكل تجرد وموضوعية يطرحها «البيان الرياضي» عبر ملف متكامل بعنوان «الحلم العربي» لن نغفل في حلقته الأخيرة حتمية طرح الحلول المقترحة، لعل وعسى يزداد الحصاد العربي في الدورة الجديدة في ريو دي جانيرو البرازيلية في ظل مشاركة العديد من النجوم العرب في الدورة القادمة في بلاد «السامبا».

يكثر الحـــديث تقيــيماً وتحليلاً وتشخيصاً، وأحياناً تقريعاً، عن مجمل الحصاد العربي على المسرح الأولمبي عند اقتراب موعد انطلاق أية نسخة من دورات الألعاب الأولمبية نظراً للقيمة العالية للحدث الذي يعد الأول بامتياز على الصعيد الرياضي، ماذا يعني أن يكون حصاد كل العرب، أبناء الأمة التي يفوق تعداد سكانها حاجز الـ 400 مليون نسمة، 94 ميدالية فقط «24 ذهبية و23 فضية و47 برونزية» في 100 عام بدأت من دورة ألعاب ستوكهولم 1912 حتى النسخة الأخيرة في لندن 2012، سوى أنه خيبة أمل ترقى إلى مستوى الفشل الذريع، وهذا تقييم غالبية المتابعين والمراقبين للشأن الرياضي العربي، لعل أبرزهم على الإطلاق، الشيخ أحمد بن حشر آل مكـــــتوم البطل العالمي الإماراتي المتوج بذهبية ألعاب أثينا 2004، والنجم العالمي المغربي سعيد عويطة المتوج بذهبية ألعاب لوس أنجليس 1984، حقا إنها 100 عام من الخيبة، و"عذرا" للروائي الكولومبي العالمي غابريل غارسيا ماركيز صاحب الرواية الاشهر، "100 عام من العزلة" في استثمار عنوان روايته لقربه من واقع الرياضة العربية!

المشاركة العربية في دورات الألعاب الأولمبية، قديمة، حيث بدأت في الدورة الخامسة التي أقيمت في مدينة ستوكهولم السويدية في العام 1912، ومرت تلك المشاركة بمراحل مد وجزر، مرة فرح ومرات حزن، العرب خرجوا من مولد أول 4 دورات لهم في الألعاب الأولمبية بدون الحصول على أية ميدالية، قبل أن «تنفرج الغمة» في الدورة التاسعة في مدينة أمستردام العام 1928 عندما ظفروا بـ 4 ميداليات متنوعة، كلها من نصيب أبطال مصر التي يعود لها الفضل في اطلاق بداية مشوار المشاركة العربية على المسرح الأولمبي.

محطات المشوار

ومع توالي محطات مشوار المشاركة العربية في الألعاب الأولمبية، ونتيجة ضعف المردود من الميداليات المتنوعة طوال قرن من الزمن، ازدادت الرغبة لدى المراقبين والمتابعين في فتح الملف، سعياً إلى إيجاد حلول ومعالجات تفضي إلى زيادة الغلة الأولمبية للرياضة العربية، ولكن مؤشر الخيبة بقي يتأرجح بألم وسط غليان شريان الجرح العربي، حتى انقسم أولئك المراقبون إلى فريقين.

النظرة القديمة

فريق يرى أن مشكلة الرياضة العربية على الصعيد الأولمبي، واضحة ولا تحتاج إلى كثير من العناء، إنها تتمثل في نقطتين لا ثالث لهما، المال والبنية التحتية، وفي ما عدا ذلك، مجرد طرح يرقى إلى مستوى الهذيان، وهذا الفريق في اغلبه، يتكون من أصحاب النظرة القديمة للمعالجة والتقييم!

5 أسباب

وفريق آخر، أكثر اتساعا وحداثة في الطرح والتقييم والمعالجة، أعضاؤه يرون أن مشكلة الرياضة العربية ناتجة في الأساس عن 5 أسباب، الأول، غياب الفلسفة العصرية في بناء وصناعة البطل الأولمبي، والثاني، عدم الالتفات إلى أهمية إقامة أكاديميات رياضية متخصصة، والثالث، تغييب دور الأبطال الأولمبيين في البناء والإعداد، والرابع، عدم وجود التجانس في الأدوار الفنية والإدارية، والخامس، عدم الاستفادة بصورة كافية من تجارب الدول المتقدمة رياضياً.

14 دولة

وبين رؤية هذا الفريق وفلسفة ذاك الفريق، يتواصل انكسار الرياضة العربية ويزداد جبل آلامها «شموخاً وارتفاعاً» في ظل غياب أو تغييب فرصة ترجيح الحل لأي من الفريقين، لا يهم، 14 دولة عربية فقط من اصل 23، دخلت قائمة المجد الأولمبي بعد مشوار تواصل لمدة قرن من الزمن، لا شك إنها محصلة مخيبة، بل مؤلمة!

فسلفة «مودرن»

ما الحل، هل نرجح رؤية الفريق الأول بتوفير المال وتطوير البنية التحتية للرياضة العربية حتى نكون ضيوفاً دائمين على منصة التتويج الأولمبي، أم نركن إلى الرؤية الأحدث للفريق الثاني، فنضع فلسفة «مودرن» لصناعة البطل الأولمبي، ونبني أكاديميات متخصصة، ونستعين بخبرات الأبطال الأولمبيين، ونصنع تجانساً حقيقياً بين ما هو فني وما هو إداري، ونستفيد بأقصى درجات الاستفادة من خبرات الآخرين، خصوصا أولئك الذين سبقونا بسنوات ضوئية على المسرح الأولمبي؟!

حتمية المزاوجة

الحل وكما يراه المقتنعون بوجهة نظر الفريقين على السواء، يكمن في حتمية المزاوجة بطريقة عملية وعلمية بين الرؤيتين باعتبار تلك المزاوجة هي الطريق الأسلم للحل، المال عنصر حاسم في تحقيق الإنجاز الأولمبي، ولا شك في ذلك، والبنية التحتية عنصر مرجح جدا، تماما كما أن الأسباب الخمسة لفريق الرؤية الحديثــــة، غاية في الأهمية والتأثير على بلورة منظومة حل ناجعة لمعضلة الرياضة العربية على الصعيد الأولمبي.

غياب

غاب العرب عن المشاركة في الدورات الأولمبية الأربع الأولى، في أثينا اليونانية 1896، وباريس الفرنسية 1900، وسان لويس الأميركية 1904، ولندن البريطانية 1908.

حكاية «معالي» الوزير ونهر الســـــــــــــــــــباحة !

ليس هناك سبب واحد أوحد يقف وراء تواضع الحصاد العربي على المستوى الأولمبي، بل هناك حزمة من الأسباب، منها المنطقي كالمال والبنية التحتية، ومنها الهزلي الذي يرقى إلى مستوى الكوميديا المضحكة المبكية، كحكاية "معالي" الوزير ونهر السباحة، الحكاية التي نستمدها من واقع الرياضة في احد أقطار وطننا العربي الكبير، وإليكم تفاصيل الحكاية المثيرة، بل المضحكة المبكية!

"معالي" الوزير يستقبل في مكتبه «العامر» وفد منتخب بلاده للسباحة قبل مشاركته في احدى دورات الألعاب الأولمبية، فيستمع بعد تبادل التحية والسلام، إلى شرح موجز عن اهم معوقات إعداد المنتخب، ومن ابرزها عدم توفر أحواض كافية للسباحة لاحتضان تدريبات المنتخب، وهنا، تثور ثائرة معاليه، فيبادر إلى طرح سؤال «.....» جدا، لماذا لا توجد لدينا أحواض سباحة، أليس لدينا نهر يجري من شمالي غرب البلاد إلى جنوبي شرقها؟!

صمت رهيب

يسود الصمت الرهيب مكان اللقاء، لا احد من الوفد يتحدث، حتى المدرب المسكين الذي درس وتعلم فنون لعبة السباحة في افضل البلدان الأوروبية وجاء إلى موطنه الأصلي أملا بتشكيل منتخب وطني قوي يلعب باسم بلده في أكبر الأحداث الرياضية، وفي مقدمتها الأولمبياد، انفرد معالي الوزير بكل اطراف الحديث، فراح يتكلم ويتكلم ويتكلم، تارة ينصح وهو الجاهل الأول من بين كل الحضور بأبسط تفاصيل لعبة السباحة، وتارة يوبخ لعدم استثمار نهر بلاده في إعداد منتخب قوي للسباحة!

طين وديدان

وفي لحظة خاطفة، استجمع المدرب المسكين قواه العقلية، راداً على عبقرية معالي الوزير بالقول: معاليكم يعلم تماماً أن مياه نهرنا ليست صالحة أبداً لممارسة أي نشاط رياضي علمي لاحتوائها على نسبة عالية من الطين الذي يشكل مصدر خطر داهم على سلامة اللاعبين، إضافة إلى عدم تمتع نهرنا بالعمق الكافي، وعدم استقرار منسوب المياه في النهر، ناهيكم عن وجود كميات كبيرة من الديدان والكائنات المائية الأخرى التي تشكل خطراً داهماً على سلامة لاعبي المنتخب، ما يجعل التدريب في النهر، أمراً مستحيلاً يا معالي الوزير.

انتهى اللقاء

وهنا، ثارت ثـــائرة معالي الوزير ثانية، فعلق ساخراً على رد المدرب المسكين بالقول: أي طــين وأي ديدان وأي «خرابيط»، كيف لا يكون لدينا منتخب سباحة قوي وعندنا نهر طويل عميق، اخرجوا حالا، واذهبوا مباشرة إلى النهر وتدربوا هناك، وسوف أزوركم قريبا، انتهى اللقاء!

لاعبون مساكين

ولأن المدرب المسكين لم يصدق ما سمعه من معالي الوزير، فقد اطبق بالصمت وهو ينظر إلى لاعبيه المساكين بعيون المخذول المصدوم، وكأن لسان حاله يقول: ليتني لم أقرر خدمة بلدي واستثمار خبراتي الطويلة في إعداد منتخبات السباحة في ربوعه التي ابتليت بمسؤول من طينة معالي الوزير الذي التقينا به!

أوجاع الغربة

وعلى وقع الصدمة والمفاجأة، قرر المدرب المسكين، تقديم استقالته قبل أن يأتي معالي الوزير إلى معسكر المنتخب في النهر، فعاد إلى بلاد الغربة، مفضلا تحمل أوجاعها القاسية على تقبل «.....» وزير لا يفرق بين حوض السباحة والنهر، تاركاً منتخب بلاده في ورطة الإعداد للأولمبياد في النهر، فعاد هو إلى بلد المنفى، متوقعاً انتكاسة كبيرة للمنتخب في الأولمبياد، وفعلا، خرج المنتخب من أول جولة في الدور التمهيدي لتلك الأولمبياد!

علم وفن

حكاية الوزير ونهر السباحة، واقعية، وهي في المجمل تلخص حجم المأساة التي تعيشها الرياضة في بعض البلدان العربية، خصوصا عندما يتسلم زمام الإدارة أو المسؤولية، أشخاص لا علاقة لهم بالرياضة والرياضيين مطلقاً، أشخاص لا يفقهون شيئاً من الرياضة سوى أنها لهو ولعب من وجهة نظرهم القاصرة، فيما الحقيقة تشير إلى أن الرياضة باتت اليوم علماً وفناً وفلسفة، ولله في خلقه شؤون.

غداً

Ⅶأحمد بن حشر: 90% من حصاد العرب الأولمبي.. منتوج شخصي

Ⅶ مشكلتنا الكبرى في الافتقاد إلى فلسفة بناء الأبطال

Ⅶ نقص الوعي الرياضي آفة والمحسوبية كارثة

Ⅶ اللجوء إلى التجنيس عجز وتناول المنشطات غش

Ⅶ كرة القدم لم تحقق إنجازاً أولمبياً واحداً رغم الميزانيات الخيالية

Ⅶ الإنفاق غير المنضبط يؤثر سلباً على مستقبل الألعاب الأخرى

Ⅶ لعبة المليارات غائبة.. الفردية حاضرة