قدم الدكتور موسى عباس الباحث الرياضي، طرحاً جديداً عن العنف والتعصب، وأشار في بدايته، إلى أن تلك الظاهرة، ليست جديدة على ملاعب كرة القدم، وطالب بإصدار تشريعات رادعة وتعديل المناهج الدراسية، للقضاء عليها مبكراً.
وأكد أن الظاهرة قديمة قدم الممارسة الرياضية في العالم، وأن التعصب ليس مرتبطاً بالكرة فقط، بل إنه يظهر على الشخص المتعصب في مختلف مناحي النشاط الاجتماعي، لكنه يظهر بقوة في الكرة، بسبب المساحة الكبيرة التي تحتلها هذه اللعبة في أذهان ونفوس معظم مشجعي الرياضة في العالم، مع الإثارة التي تشتمل عليها مجريات المباريات، وتخلقها العناصر المساعدة مثل البرامج التليفزيونية والمقالات والتغطيات الصحفية.
اعتبر الدكتور موسى، أن بريطانيا الأب الشرعي للتعصب والعنف في المدرجات، وأن الانجليز أبرع مشاغبي العالم في الكرة، وأوضح أن حالات شغب المدرجات ظهرت لأول مرة في بريطانيا في القرن الـ13 الميلادي، ثم امتدت بعد ذلك إلى الدول الأخرى فيما عرف بعد ذلك بالمرض البريطاني، وأرجع ذلك إلى العوامل السياسية والنزعات العرقية والانتماءات الدينية، التي لعبت دورها في تغذية مشاعر اللاعبين والمشجعين على السواء، إضافة إلى الدور الخطير لمذهبات العقل في تغذية الظاهرة.
3 مراحل
رأى الدكتور موسى عباس في بحثه، أن ظاهرة شغب الملاعب، مرت بـ3 مراحل رئيسية، شكلت الخطوط العريضة لمظاهرها في مختلف ملاعب العالم، والأولى اعتداء المشجعين على اللاعبين والحكام، والثانية الاشتباكات بين مشجعي الفرق المتنافسة داخل الملعب، وكانت الثالثة الأخطر، بنقل المشجعين لمشاحناتهم من الملاعب إلى الشوارع.
وأشار إلى أن الملاعب العربية، لم تسلم من هذا المرض المعدي بشكليه الرئيسين التعصب والشغب، لأسباب عديدة، وأهمها محاولة بعض المشجعين والمشاهدين العرب تقليد ما يحدث في الملاعب الأوروبية، والحساسيات البالغة القائمة بين العرقيات المختلفة، وكثرة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المشجعون، والذين يجدون أنفسهم بشكل تلقائي يعبرون عن هذا الغضب في اول استفزاز لمشاعرهم إذا ما تعرضت الفرق التي يشجعونها للهزيمة.
وإلى أن كل هذا أثر بشكل سلبي على تقدم الحركة الرياضية العربية، مما حدا ببعض وسائل الإعلام الرياضية المحايدة ذات القيمة، بالتدخل والمطالبة بالعمل القوي والمركز والتدخل الفاعل لاستئصال مثل تلك الأعمال ومعاقبة المتسببين فيها.
إلا أنه ذكر أن سببا من أسباب انتشار التعصب والعنف أحياناً، يتعلق بشكل كبير بالإعلام ووسائله المثيرة في تأجيج المشاعر وزيادة الحساسية بين مشجعي الفرق المختلفة من خلال البرامج المثيرة قبل مباريات الديربي واصطياد الألفاظ من خلال تقطيع الكلام لخلق تصريحات رنانة وتسليط الضوء على الجماهير وتصرفاتهم.
وأشار إلى قيام بعض الحكومات، بسن قوانين وتشريعات تستطيع من خلالها معاقبة مثيري الشغب بالحبس أو الغرامة الضخمة أو الحرمان من دخول الملاعب وحضور الأحداث الرياضية، لمدد تصل إلى 5 أعوام كاملة، في محاولة منها لقمع ظاهرة الشغب في الملاعب واحتواء هذه الظاهرة الخطيرة والمؤذية.
تساؤلات
طرح الدكتور موسى في بحثه، عددا من الأسئلة المهمة، والتي أجاب عليها من خلال بحثه، وهي ما هي الأسباب الرئيسية وراء شغب الملاعب؟ وهل أصبحت الملاعب المكان الأمثل لتصفية الحسابات؟ وهل تغيرت النظرة إلى الرياضة، وبدلا من ان تكون اداة للتواصل ووسيلة لتجميع الفرقاء أصبحت اداة للعداوة وتفريق الاشقاء؟ ومن يتحمل مسؤولية انتشار العنف والتعصب في الملاعب؟ وما هي أسباب انتشار هذه الظاهرة في الملاعب العربية؟ وما هي المواقف التي اتخذتها الاتحادات الرياضية من هذه الظاهرة؟ كيف السبيل لاحتواء ظاهرة العنف والتعصب والحد منها؟
تابع الباحث الرياضي: «أصبحت ظاهرة العنف والشغب ظاهرة واسعة الانتشار في الملاعب الرياضية، وهذه الظاهرة ليست حديثة في المجال الرياضي، وانما هي ظاهرة قديمة قدم الرياضة التنافسية، لكن الجديد هنا هو تعدد مظاهر العنف والتعصب بل والشغب أيضاً، وتغير طبيعته، وتخطى حدود الملاعب الرياضية، ووصل إلى القنوات الخارجية والمحافل الرسمية والجهات المسؤولة وطال العنف الجميع».
وذكر: «بل والأغرب من ذلك أيضاً، أصبحنا نرى الفائز يقوم بأعمال يعاقب عليها القانون حين يحتفلون بالأهداف بصورة غير حضارية أو بشكل عدواني، يصل إلى حد الاعتداء على الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم ولم يعد الأمر يقتصر على مشجعي الفرق الخاسرة فقط كتعبير عن رفضهم للهزيمة أو الغضب من إدارة الحكم للمباراة أو الاعتداء على جماهير الفريق الفائز».
المنتديات تؤكد السير بالرياضة خلافاً لاتجاهها الصحيح
أكد الدكتور موسى عباس خلال طرحه الجديد، أننا أصبحنا نرى انتقال التعصب بشكل غريب من المدرجات إلى الفصول الدراسية، والى المصالح والوزارات، بل والاغرب أننا رأينا التعصب في لقطات فيديو من المباراة أو صور مركبة بطريقة كوميدية أو تصريحات نارية لاحد المسؤولين أو النكات الاجتماعية أو اسقاط بعض النكات على المواقف التنافسية القائمة بين الفريقين المتنافسين بشكل يسخر من المهزوم، مما قد يثير بعض مشاعر الغضب لدى البعض، وكل هذه الظواهر تدل على قصور في الثقافية التنافسية.
مطالعة
قال الباحث الرياضي: «إنك بمجرد مطالعة المنتديات الرياضية، سوف ترى ما يثير دهشتك وخوفك، وبما يؤكد أننا نسير بالرياضة خلافاً لاتجاهها الصحيح، سوف تجد وتقرأ مشادات وعصبيات وادعاءات خطيرة تخلق التفرق وتشتيت الصف، وسوف تنصدم مثلي إذا ما قرأت المنتديات عن أحد المشجعين يسب مشجعي الفريق المنافس ويشبههم بالكفار مثلا أو يدعو الله أن يقضي عليهم، رغم أن منهم بطبيعة الحال أخاه أو أقاربه أو أصدقاءه، وإننا امام حالة من التعصب الاعمى ذكتها بعض وسائل الاعلام وانعدام ثقافة الحوار وثقافة الاختلاف وبطء وضعف التشريعات».
وتابع: «العنف والتعصب يتعلقان بالسلوك العدواني الذي هو عبارة عن السلوك الموجه بهدف إيذاء كائن حي يحاول تفادي الاذى، والسلوك العدواني قد يكون لفظيا أو بدنيا، ويهدف إلى إلحاق الاذى الجسدي أو الضرر النفسي للآخرين، ويفرق المتخصصون في علم النفس الرياضي بين نوعين من انواع العنف وهما العدوان كغاية والعدوان كوسيلة، وعندما يكون الهدف من السلوك العدواني هو ايذاء الآخرين واصابتهم بضرر والتمتع بمشاهدة الالم والاذى الذي يلحق بهم جراء ذلك، حيث إن بعض علماء النفس يعتبرون العدوان غاية في حد ذاته».
ضرر
أضاف الدكتور موسى: «استخدام العنف لإلحاق الضرر والاذى بالآخرين بغية الحصول على تشجيع خارجي من تشجيع الجمهور أو إرضاء المدرب، يجعل من العنف وسيلة لتحقيق غاية معينة وليس العنف هنا غاية في حد ذاته، وبالرغم من أن استخدام العنف كوسيلة يعتبر الاكثر شيوعا واستخداما في الوسط الرياضي، إلا أننا نجد أن كلا النوعين يهدف إلى إيذاء الآخرين ولا يمكن تبريرهما في الوسط الرياضي».
تفسير
أكد موسى عباس أن هناك العديد من النظريات التي تهدف إلى تفسير وفهم السلوك العدواني في المجال الرياضي أو التعرف على الاسباب المؤدية إلى فقد الرياضيين السيطرة والتحكم في تصرفاتهم وانفعالاتهم، وهذه النظريات تفسر ظاهرة العنف بأكثر من تفسير، ومنها أنه تعبير عفوي عن الغريزة أو ردة فعل ازاء الاحباط.
وقال: «من أهم النظريات التي تساعد على فهم العنف في المجال الرياضي، نظريات الغرائز، الإحباط، التعلم الاجتماعي .
العنف والشغب ظاهرة معقدة
ذكر الدكتور موسى عباس، أن العنف والشغب ينتشران في كثير من الاحيان إلى أبعد من محيط الملاعب، فيظهر في الشوارع ووسائل النقل أحيانا عن طريق استخدام السيارات بشكل غير حضاري وإطلاق الأصوات المزعجة وتعطيل السير وهو ما ينتج عنه الإخلال بالأمن وتدمير الممتلكات.
وهناك العديد من العوامل التي تؤثر على حدوث العنف والعدوان في المجال الرياضي منها ما يرتبط بالرياضة مثل قواعد وقوانين اللعبة، الجوائز والمكافآت، الحكام، الجمهور ونتيجة ومكان المنافسة، ومنها ما هو مرتبط بالرياضيين أنفسهم مثل اللياقة البدنية والأداء المهاري، ومستوى درجة الاستثارة والانفعال والتنشئة الاجتماعية.
وأكد أن أعمال العنف والشغب ظاهرة معقدة تدخل فيها عدة متغيرات داخلية وخارجية وتختلف آثارها باختلاف الظروف، هناك أسباب غير مباشرة وبعيدة كل البعد عن مجال الرياضة التنافسية التي تقف وراء أحداث الشغب التي تظهر في الملاعب الرياضية التي تعتبر المكان المناسب لإشباع مثل هذه الدوافع الخفية.
واختتم بأهم هذه الأسباب، وهي التعبير عن حاجات تحقيق الذات للشباب، البحث عن كبش فداء للفشل أو الهزيمة وإلقاء اللوم على الآخرين، ومحاولة تحقيق مكاسب شخصية، حيث نجد بعض الأفراد يستغلون التجمع الجماهيري لإطلاق الزمام لعدوانيتهم الكلامية أو البدنية في الملعب وخارجه،.
اختلاف
المنظومة تخطت الحدود
«منظومة التعصب والعنف، اختلفت وتخطت الحدود الرسمية للدول والحدود الملزمة للأخوة والمواطنة، وليس من المنطق أن تطغى العصبية والانتماءات المختلفة لفرق منافسة في الدوري المحلي، على كل قواعد المنطق والعقل والاخوة، والفرق المحلية حين تتنافس في منافسات قارية أو إقليمية أو دولية، إنما تلعب باسم جميع منتسبي ومشجعي الرياضة المحلية بجميع طوائفها وفرقها، ولا تمثل نفسها فحسب .
الشغب في ملاعبنا أقل حدة من الكرة الغربية
قال الدكتور موسى عباس، إن ظاهرة العنف والشغب في الملاعب الخليجية والعربية بشكل عام وفي السعودية بشكل خاص، تعتبر أقل عنفا وحدة مما هو عليه في الملاعب الغربية، ولكن بالرغم من ذلك نرى أنها أخذت تتزايد في وسطنا الرياضي خلال السنوات الأخيرة، وهناك الكثير من الأحداث والتصرفات غير الحضارية التي تعقب انتصارات المنتخب أو الفرق المحلية والدالة على سوء سلوك عام وتصرفات غير أخلاقية تؤدي إلى إلحاق أضرار بدنية ونفسية بالشخص نفسه أو بالآخرين.