الترحال والتنقل بين مدن العالم رافق مسيرة إيلين ووليس الشريك الإداري في مجموعة «بورتسموث»، فقد عاشت معظم حياتها متنقلة بين العديد من المدن الأوروبية، ولم تكن تملّ هذه الحياة المفعمة باللحظات الخالدة والمغموسة بروح المكان، لحظة اللقاء الأول، والتعارف، واكتشاف سر جديد.. وفي مطار دبي كانت الصدفة التي لم تكن تتوقع أنها محطة الاستقرار الأخيرة ونافذتها المطلة على ثقافات الشرق الأوسط وحاضرها الذي أصبحت جزءاً منه.

لا تخفي «ووليس» تقديرها للإماراتيات وترى أنهن سفيرات رائدات في التواصل الحضاري، وتؤكد في الوقت ذاته أن التسامح في دولة الإمارات قيمة إنسانية سامية خاصة في رمضان.

تتذكر إيلين ووليس صيف 1998 حين قررت زيارة دولة الإمارات التي تحفظ موقعها على خارطة العالم عن ظهر قلب ولكنها لم تزرها في حياتها، بل لم تطأ قدماها أي مدينة عربية قبل ذلك التاريخ.

وتضيف إيلين: في رحلتي إلى دبي كسرت حاجز الرهبة والشكوك التي تبادرت إلى أذهان العائلة والأصدقاء في الولايات المتحدة الأميركية حول الشرق الأوسط وثقافته وعقائده المختلفة عن المسار الغربي، اكتشفت في داخلي طاقة مفعمة بالأمل والإيجابية التي تنعم بها المدينة المعاصرة ففي كل زاوية وشارع، وعشقت «دبي» وأنا أتنقل من شركة إلى أخرى لتمرير سيرتي الذاتية التى تحمل مؤهلاتي العلمية وخبراتي فى مجال العلاقات العامة والاتصال.

الاستقرار في الإمارات

وتوضح إيلين: أصبح الأمر منطقياً أن أفكر في الاستقرار إلى الأبد وتصبح الإمارات جزءاً من حياتي وطموحي الذي كبر على مدار 18 عاماً أنشأت خلالها مجموعة «بورتسموث للعلاقات العامة والاتصال»، لقد حدث الأمر سريعاً، ولم أستشعر مرور السنوات هذه، على الرغم من أنني تزوجت هنا وأنجبت أطفالي كذلك، وبات منزلي يفتح ذراعيه لأفراد أسرتي الممتدة من الأصدقاء والجيران من كافة الجنسيات، فقد أصبحت شرقية الهوى وأعتز بتقاليدي العربية المكتسبة، فالأماكن التي تتنفس داخلنا جديرة بالوقوف عندها ملياً، وجديرة بمواثيق الحنين والانتماء، وتحتل الفكر والوجدان وحدها دون سائر المدن.

وترى إيلين أن ما يميز الإمارات هو التوازن في كل الأشياء والمعتقدات، فالأصالة هنا ليست رصيداً تاريخياً وحسب، وإنما هي الإرادة والقدرة الذاتية على الإبداع. والمعاصرة ليست ذوباناً في الراهن، وليست انسلاخاً من الجذور، وإنما هي تفاعل مستديم مع مستجدات العصر، وحضور فاعل وحيوي مع مشاغل العصر، فالإماراتيون يؤمنون بأنه ليس هناك معاصرة حقيقية بلا جذور ثقافية واجتماعية، وتلك علامتهم الفارقة، وعامل توازن يمنح المجتمع القدرة على التفاعل المستمر مع الواقع، فالتقدم والرقي لا يأتيان من فراغ، وإنما يعتمدان على قيم وتاريخ، وينطلقان بهذه القيم والنماذج من أجل التقدم والتطور.

حراك اجتماعي

وأكثر ما لفت انتباه إيلين وجعلها تقرر الاستقرار والعيش في دولة الإمارات هو مبادئ التعاون المتبادل والمشترك قائلة: جميع أفراد المجتمع في دولة الإمارات يمتلكون كافة أدوات الوعي والإدراك لمفهوم تسوده مبادئ المسؤولية المتبادلة في تنمية وتعزيز الحراك الاجتماعي بكل فئاته المتنوعة، والذي تكمن قوته في تماسكه وانسجامه والذي يخلو من أي مصالح فردية وتصرفات عشوائية ورغبات أنانية ونزعات طائفية وعنصرية وكل ما يفرق بين الإنسان وأخيه الإنسان.

وترى إيلين أن التسامح يعد من القيم الإنسانية السامية في دولة الإمارات وخاصة فى شهر رمضان حيث تكمل قيمة صلة الأرحام، فتوجد بين الناس في هذا الشهر مبادرات التصالح وحل الخلافات، إلى جانب دعوات الإفطار التي توطد العلاقات الاجتماعية والأسرية، والتي تعتبر من العادات المنتشرة في مختلف دول العالم وليس في الإمارات فحسب، ولا تتوقف العادات الاجتماعية الخيرة عند الاجتماعات العائلية وصلة الأرحام في العالم العربي، بل تتعداها لفعل الخير بلا حدود.

الاختبار الأول

وحول أول رمضان لها في الإمارات تؤكد إيلين أنها كانت محظوظة أنه جاء في شتاء 1998 وسط أجواء باردة، حاولت خلالها اختبار الصوم ليوم واحد، ولقد نجحت في اجتيازه بنجاح باهر، وباتت تقدّر وتحترم فريضة الصوم وتجلّ أهدافها ومعانيها الإنسانية والدينية، إلى جانب الأجواء المبهجة والعائلية التي تغلف ليالي الشهر الفضيل، حيث تنتشر الخيم الرمضانية في دبي، لتضيف نكهة مميزة تستقطب الأفراد والعائلات على حد سواء من كافة الجنسيات. وتشارك في العديد العروض الترفيهية المميزة والبرامج والأطعمة العربية والشرقية التي تلبي مختلف الأذواق.

الوجه الآخر

وتضيف إيلين: كانت دعوات الإفطار والسحور تنهال عليّ من الأصدقاء والزملاء العرب والمسلمين وبعض السيدات المواطنات خلال أول رمضان لي في البلاد، وذلك بدواعي الألفة والمؤازرة للمغتربة الأميركية التي وبكل تأكيد تفتقد عائلتها وأصدقاءها هناك، تلك المبادرات والإصرار الشديد على الحضور جعلني أكثر تعلقاً بالبيئة المحيطة التي طالما أثبتت لي مع كل موقف أني اخترت المكان الأفضل للحياة والمستقبل، ومنها بدأت أكتشف الوجه الآخر للمرأة الإماراتية المحافظة والمحتشمة، فمن تجربتي الشخصية اكتشفت أن النساء في الإمارات يمتلكن قدرات هائلة للعمل وبث روح المعاصرة والتجديد والتفاعل المثمر للتعريف بتقاليدهن في بوتقة التواصل الحضاري المشرّف حيث تعمل على إزالة العراقيل والمعوقات التي تقف حاجزاً دون مشاركتها في جميع ميادين الحياة، وتأصيل دورها للإسهام في التنمية المستدامة، والمشاركة في صنع واتخاذ القرار.

سفيرة الإبداع

وترى إيلين أن المرأة الإماراتية سفيرة متوجة لثقافتها الخليجية والعربية العريقة، وقد منحت في ظل القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مساحة كبيرة لإبراز طاقاتها، وإمكاناتها، إلى جانب الإبداع، والابتكار، والتقدم، فضلاً عن المساواة الملحوظة بينها وبين الرجال، وعدم الجنوح إلى التفرقة سوى في القدرات والإمكانات الفردية فقط، والدليل على ذلك ما حققته دولة الإمارات لعدد من المراتب المتقدمة في عدد مختلف من التقارير العالمية منها مركز الصدارة عالمياً في احترام المرأة، والأول عالمياً في التحصيل العلمي للمرأة، والمركز الأول في تقليص الفجوة بين الجنسين لسنوات متتالية، وتستمر في السير قدماً بخطى حثيثة عاماً بعد عام.

معالم ثقافية

ومن جانب آخر تعشق إيلين جزيرة السعديات في أبوظبي وترى أن المنطقة الثقافية هناك من أهم المناطق الثقافية في الإمارات التي تسهم في رفد الحركة الثقافية وجذب الزوار والسياح من مختلف أنحاء العالم، فهي تحتضن معالم ثقافية سينتشر إشعاعها في مختلف أرجاء المنطقة، كما تهوى العبرات، وهي السفن القديمة المصنوعة من الخشب، من أقدم وسائل النقل التي تسير في الخور، وأوفرها أجرة، وأكثرها إقبالاً من قبل السياح والركاب، حيث يشير تاريخها القديم إلى أنها كانت تنقل الناس بين برّي دبي قديماً، لكنها تطورت اليوم لتصبح أكبر حجماً من السابق وتعمل محركاتها باستخدام وقود الديزل.. وتوضح إيلين: «أعشق كثيراً العبرة التي شكلت جانباً متميزاً من ملامح الحياة القديمة، باعتبارها الوسيلة الرئيسية لعبور الخور»

وتعتقد إيلين أن دولة الإمارات باتت اليوم رائدة فى مجال التواصل الحضاري، وهذا الضرب من التواصل الراقي إنما ينبثق من الإرادة الجماعية والرغبة المتبادلة والإحساس المشترك.