تحوّلات مثيرة للاهتمام ارتحلت بين الشك واليقين في حتمية خوض تجربة الإقامة في الإمارات، راودت دونا بنتون المؤسس والمدير التنفيذي لشركة The Entertainer ابنة مدينة ملبورن، فلم يكن الخروج من عباءة الأسرة والمجتمع الأسترالي للمرة الأولى وثقافته، بالأمر اليسير قبل 15 عاما، فهي بمثابة بداية حياة جديدة وتكوين صداقات وذكريات على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، والعيش في مجتمع ثقافي غريب كليا، وفي مجتمع عربي وخليجيي محافظ، وربما يكون متشددا.

تقول دونا: نعم كنت أخاف الفشل والإحباط وفكرة تغيير نمط وأسلوب الحياة وفقا لقواعد بلد مسلم، لم تكن الصورة واضحة تماما بالنسبة لي في البداية لأني كنت معتمدة على صورة نمطية ضبابية وسطحية بعض الشيء يناقشها الأصدقاء والأهل والأقارب، أو قراءات غير دقيقة عبر الإنترنت حول تركيبة المجتمع الإماراتي ومعتقداته، ولكن قررت أن أبحث بنفسي عن الحقيقة عبر خوض غمار تجربة العمل في دولة الإمارات.

وتضيف: ما إن وطأت قدماي مطار دبي حتى تغير كل شيء بداخلي، لا أعلم كيف افسر الأمر، ولكنه بمثابة شعور غامر بالارتياح والبهجة، فالجميع يبتسم ويرحب ويحاول تقديم المساعدة بقدر الإمكان، وأحمد الله أنني استطعت التغلب على مخاوفي وهواجسي المتعلقة بالوحدة وعدم القدرة على التأقلم، والفضل في ذلك يعود للمجتمع الإماراتي وتحديدا مجتمع دبي بكافة جنسياته الذي اصبح منزلي الثاني ووقعت في غرام شوارعه وأحيائه وشعبه منذ اللحظة الأولى.

روح الابتكار

الطموح والرغبة قادها لتغيير مسارها المهني بعد أن تخلت عن وظيفتها التي جاءت إلى دبي من أجلها، فلم تكن كما توقعت وكما تم الاتفاق عليه.

تقول: كنت أبحث عن عمل مناسب ولم يكن بحوزتي سوى 3000 دولار في صيف 2001، وعندما كنت أتوجه إلى أي مكان للبحث عن وظيفة، كنت أجلس للغداء أو تناول القهوة في المطاعم والمقاهي المحيطة بالمكان الذي أقصده للعمل، وحينها خطرت لي فكرة لم أتوقع أنها قد تضع في جيبي اكثر من مليار و300 مليون دولار في الوقت الحالي.

وتضيف دونا: على الرغم من طرافة فكرة الكوبونات والحسومات في نظر العديد من الناس، إلا أني قدمت عبر شركة ذي إنترتينر The Entertainer أكثر من 5 آلاف عرض قُدمت بأسلوب “اشترِ واحدة وخذ الثانية مجانا” من خلال كتاب وتطبيق للهواتف المحمولة، لترتيب تناول الطعام والترفيه والتسلية وأماكن التجميل والفنادق في 40 وجهة في 15 بلدا في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأوروبا، وتبلغ حصة دول الخليج 60% من عوائدها السنوية التي تخصها في الاقتصاد العالمي وهي 1.3 مليار دولار.

بيئة حاضنة

وترى دونا أن الإمارات بيئة حاضنة للإبداع والابتكار المنفتح على الأفكار الجديدة من أجل تحريك السوق وتشجيع نمو المشاريع الصغيرة بطريقة تنافسية وعلمية وممتعة في الوقت نفسه، قائلة: أطلقت شركتي عام 2001 برأسمال لم يتجاوز 120,000 درهم، بعد أن اكتشفت حاجة الأسواق إلى خدمة تزوّد المستهلكين بحوافز سعرية تشجعهم على ارتياد المطاعم في الوقت الذي تعزز فيه رواج تلك المطاعم، ولم تكن تتوفر في دبي في ذلك الحين سوى قسائم حسومات سعرية لا تتجاوز نسبة حسوماتها العشرة في المائة.

احترام الآخر

وتعتقد دونا: أن التسامح والتعايش بين كافة أبناء الجاليات متعددة الديانات وبين المواطنين يعد من أهم الروابط الأخلاقية المكتسبة بصورة فطرية في ظل الأجواء اليومية المعاشة، والتي تلقي بظلالها الإيجابية على الأجيال خاصة التي نشأت وترعرعت هنا، وتشكل دوراً لا يمكن تجاهله في الحفاظ على الصلات الإنسانية واحترام مفرداتها التي تعكسها الأشكال المختلفة للتعبير الثقافي والفني.

وتبين أنها كانت في موقف صعب، فإما الاستسلام والهرب، أو المواجهة والوقوف مجددا للمحاولة مرة أخرى، ولكن بعدما أقنعت أول زبون لها (فنادق الماريوت)، لم يعد شيء يقف أمامها، وكانت معادلة رابحة للأطراف الثلاثة، للزبون وللشركات ولها، بيد أن إقناع الناس بشراء الكتب لم يكن سهلا، ولم يصدق الكثيرون هذه الفكرة في البداية. لكنها سرعان ما حققت نجاحاً لم تكن تحلم به عندما وصلت إلى دبي.

دعم حكومي

وتثمن دونا الدور الحكومي في الإمارات، والذي أمد المقيمين بقنوات متعددة، من خلال دعم مؤسسات الجاليات الطوعية المعنية بالحفاظ على الثقافة والفنون المختلفة والترويج لها، بعد التشاور المسبق مع هذه الجاليات حول الصور الملائمة والمطلوبة والفعالة لهذا الدعم، والذي من جهة أخرى قادها إلى اختيار مسارها المهني في مدينة دبي، فاختارت أن تعمل في قطاع الخدمات التسويقية ذات الصلة بالسياحة والفنادق والمطاعم أيضا.

التكاتف أولاً

تقول دونا: أكثر ما يميز الإمارات أنها دولة تحتضن كافة الثقافات وتحرص على تقديرها من خلال تكوين العلاقات الوثيقة وإيجاد الروابط المشتركة ونقاط الالتقاء المغلف بقدر كبير من التسامح والمشاعر الإنسانية المستندة إلى روح التكاتف والصداقة الخالصة، وهذا ما لمسته بالفعل، فقد تعرفت على زوجي هنا وأقمت حفل زفافي بفندق جميرا بيتش، وأنجبت فيما بعد أبنائي هنا أيضا، ولم اشعر بالغربة او الوحدة، فأصدقائي العرب والمسلمون وعائلتي كانوا مرادفا للعائلة الممتدة بالنسبة لي، وبحكم عملي، تعرفت على كثير من الإماراتيين، الذين شجعوني وقدموا الدعم والتوجيه، وتلك لفتة كريمة تنم عن تقدير واحترام لشخصي بغض النظر عن هويتي وديانتي، والتي كان لها اكبر الأثر في نفسي وساهمت في سرعة اندماجي في المجتمع الذي أصبحت جزءا من ثقافته المتسامحة والمحبة للجميع.

تقليد متوارث

لا ترى دونا أن اختلاف العادات والتقاليد العربية والإسلامية يشكل حاجزا نفسيا وثقافيا بالنسبة لها بل على العكس تماما، فهي تعشق «حق الليلة» الذي يحتفي بليلة النصف من شعبان استبشارًا بقدوم شهر رمضان المبارك، وتهدف هذه العادة التي توارثها الأجيال على مر السنين إلى إدخال الفرحة والبهجة في نفوس الأطفال. وبفضل التواصل بين كافة مكونات المجتمع، وخاصة بين الأطفال والكبار.

صيام رمضان

وفيما يخص محاولة الصوم في شهر رمضان تقول دونا: حاولت الصيام عدة أيام لكي اعرف معنى الصيام، وأجرب الشعور به، خاصة أن الكثير من زملائي صائمون وملتزمون بأداء هذه الفريضة، وشعرت في أول يوم صمت فيه كيف أن الصائم يتحرر من الغضب وتشتت الأفكار، وأدركت حينها أن الصيام تنقية جسدية وروحية.

تحية الإسلام

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» كانت من أولى المفردات التي أحببت أن افهم معناها العميق، ولماذا السلام هو تحية الإسلام، وتضيف دونا: عرفت من احد أصدقائي المقيمين في الدولة وهو فرنسي الجنسية ومهتم جدا بالثقافة العربية والإسلامية أنها من أحكام السلام وآدابه، والسلام هو «اسمٌ من أسماء الله» وعليه يجب إفشاؤه وإظهاره وإعلانه بين الناس ولا تُخص به فئة دون أخرى، أو كبير دون صغير، ولا من يعرف دون من لا يعرف، ولقد قرات كتابا للشاعر غوته يتحدث عن ملامح التسامح في كتابه (أخلاق المسلمين) فيقول: «إن تسامح المسلم ليس من ضعف، ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته».