»إن الرزق رزق الله، والمال مال الله، والأرض أرض الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، ومن توكل على الله أعطاه الله، ومن يبينا حياه الله«.. غيض من فيض حكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ترحب بتعدد الجاليات، وتعزز ثقافة التسامح.. »البيان« تستعرض شهادات 30 شخصية طاب لها العيش على أرضنا الطيبة.
غادر الصيني مانجوه ستانلي بلده بعد أن أدى الخدمة العسكرية إلى جمهورية الكونغو الأفريقية سعياً وراء معدن النحاس، تخالطه أحلام الثراء والطموح لتأسيس تجارة رابحة لبيع وشراء هذا المعدن، ولكنه فقد ثروته بسب الهبوط الحاد الذي ألم بالبورصة في ذلك الوقت، فقرر البدء من الصفر، ولكن هذا المرة من دبي، التي ساعدته على النهوض مجدداً كأحد أبرز رجال الأعمال الصينيين إلى جانب منصبة الدبلوماسي كأول قنصل عام لجمهورية الكونغو في الدولة!
معادن كاتانغا
يقول ستانلي: بعمر 18غادرت الصين بحثاً عن فرصة عمل مربحة خارج القطر، وفي ذلك الوقت عام 2001 اشتهرت كاتانغا إحدى محافظات جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحديداً كاتانغا، الجزء الشرقي من المحافظة بأنها منطقة تعدين غنية، التي تزود الدولة بالكوبالت والنحاس، والقصدير، والراديوم، واليورانيوم والماس..
لذلك انخرطت في الأعمال في هذه المنطقة، وتعلمت الفرنسية خلال فترة وجيزة وأثناء تنقلي لبيع النحاس بين البلدان الأفريقية الأخرى تعلمت أيضاً اللغة السواحلية وهي لغة كينيا وتنزانيا الرسمية.
كما أنها اللغة الأم لخمس ملايين نسمة، وخمسين مليوناً تعلموها. وهي من لغات »البانتو«، لكن أثرت فيها العربية كثيراً؛ ففيها كلمات كثيرة أصلها عربية. كما توجد فيها كلمات من اللغة البرتغالية تكتب بالحروف اللاتينية الآن، لكن كانت تكتب بالحروف العربية من قبل.
خسارة فادحة
ويوضح ستانلي: في ظل انخفاض أسعار النحاس عام 2008 واضطراب إمدادات الطاقة وتقليص الإنتاج واتجاه الشركات الكبرى لتقليص عدد الوظائف بما فيها خسرت ثروتي التي بلغت في ذلك الوقت 15 مليون دولار من تجارة النحاس، وأصبحت معدماً بالكامل..
ولم يكن هناك حلول أو مخرج من الأزمة داخل الكونغو التي تعاني أيضا من ويلات الحروب الداخلية، أصبح الوضع شبه مستحيل، وكان علي المغادرة والبدء من جديد في مكان آخر، وكانت دولة الإمارات وتحديداً دبي هي مقصدي والتي طالما حلمت بزيارتها يوماً، ولم أفكر قط أنها ستكون منزلي الجديد الذي حمل لي الحظ السعيد والعمل المثمر منذ وصولي عام 2008.
منظومة متطورة
ويعتقد ستانلي: أن نهج التسامح الذي تمارسه الإمارات قيادة وحكومة وشعباً أثمر ثماراً عظيمة، حيث أصبحت واحة تتعايش فيها عشرات بل مئات الجنسيات والثقافات وأتباع الديانات المختلفة، وأكثر من ذلك أصبح التسامح..
بالإضافة إلى تكريسه كقيمة عليا تحكمه منظومة من العادات والتقاليد الراسخة والقائمة على تعاليم الإسلام السمحة، أمراً قانونياً فهناك منظومة متطورة من القوانين والتشريعات التي تحمي المعتقدات وتحترم الأعراف والتقاليد وتوفر للناس حرية ممارسة شعائرهم بعدالة وشفافية..
فالقانون يسمح لأتباع الديانات الأخرى بناء دور العبادة الخاصة بهم بدعم مباشر من الدولة لممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية وأمان أسوة بإخوانهم المسلمين، وهو أمر لا نجده في الكثير من الدول حتى المتقدمة، كما يمثل التسامح قيمة سامية يحميها العرف والدين والقانون في الداخل، فقد أصبح التسامح نهجاً لسياسة الدولة على الصعيد الخارجي .
ويبدو ذلك واضحاً في مواقف الدولة التي تدعم الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر، حيث تؤمن الإمارات بأن الاختلاف الديني والثقافي والعرقي يجب أن يكون دافعاً للحوار والتعاون والتقارب بين الشعوب، وليس مصدراً للعداء والصراع بين الأمم والمجتمعات.
مذاق التقاليد
ويؤكد ستانلي أن رمضان في دولة الإمارات له نكهة ومذاق مختلف نظراً إلى تعدد الجنسيات والجاليات العربية والإسلامية التي تضفي مزيداً من الألق والبهاء لطقوس الشهر الفضيل..
فالتنوع المثير في العادات والتقاليد العربية في الأزياء والمأكولات الشعبية التي يتبادلها الجميع بحب وامتنان يعزز من ثقافة التلاحم والترابط ويخلق نوعاً من الوحدة التي تفتقدها الكثير من بلدان العالم، للمسلمين في الصين عادات وتقاليد خاصة جداً تميزهم عن غيرهم، إذ يسمى شهر رمضان في الصين »باتشاي«، ويبلغ عدد المسلمين حوالي 20 مليون مسلم يتركزون في شمال غرب البلاد.
فالمساجد تنتشر وتحيط بها المطاعم الإسلامية، التي تنشط في رمضان وتقدم الحلويات الرمضانية المشهورة في الدول العربية والإسلامية، بجانب أكلات وحلويات المطبخ الصيني الذي يخلو من الكولسترول، لأنهم لا يستعملون الدهون في الأكل، فرمضان في المجتمع الإسلامي الصيني يشمل المناطق ذات التجمع الانفرادي للمسلمين أو يشكلون أغلبية سكانية.
وهذا يشمل منطقة نينغشيا ذاتية الحكم ذات الأغلبية السكانية من قوميه الهوى، إحدى الـ56 قومية التي تتكون منها الصين، وهي أكبر القوميات المسلمة العشر في الصين، إضافة إلى منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية من قومية الويغورية المسلمة ذات الحكم الذاتي المستقل أيضاً.
بداية جديدة
ويؤكد ستانلي: حين وصلت إلى دبي لم أكن أحمل معي سوى 100ألف درهم، كان ذلك كل ما تبقي لي بعد أن خسرت ثروتي في الكونغو، وقررت أن أبدأ عملاً صغيراً في تجارة القطن والخامات التي أجلبها من الصين إلى سوق التنين الصيني Dragon Mart Complex أحد أبرز وأكبر الوجهات السياحية والتجارية في دبي..
كما ويعد أكبر مجمع تسوق صيني خارج الصين من خلال بنية تبلغ مساحتها 150 ألف متر مربع، والذي يقع في المدينة العالمية دبي، ويحتوي هذا المركز على عدد من المطاعم والمقاهي..
إضافة إلى العديد من العلامات التجارية الصينية العالمية، و3950 متجراً لبيع مختلف الأدوات المنزلية والقرطاسية وأدوات التجميل ومواد البناء والمفروشات والألعاب والآلات الإلكترونية والمنسوجات والملابس وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن معظم المحلات إن لم يكن جميعها في ذلك الوقت لا تقبل التعامل إلا بالنقد الفوري »الكاش«.
الإمارات حافزي
ويرى ستانلي: أن تجرية العمل في دبي كان فيها الكثير من التحديات والصعوبات لإثبات الذات وتحقيق المستحيل، وعلى سبيل المثال فقد أضاف إلى رصيد لغاته الروسية والإنجليزية أيضاً، وهي مطلوبة في سوق العمل وفي أوساط التجار والمتعاملين وبمرور الوقت أصبح يمتلك متجراً كبيراً للألعاب وآخر للأقمشة وكذلك متجراً للإلكترونيات..
فالفشل في دبي كلمة سيئة. عليك أن تفشل مرة وأن تعيش تلك التجربة في البداية، ومن ثم تتعرف على نقاط ضعفك ونقاط قوتك، فمن أهم النقاط التي كان يتعين علي أخذها بعين الاعتبار عندما غيرت مسار حياتي المهنية هي التفكير جيداً بالأمور التي تحفزني، وكانت نهضة الإمارات ونشاطها الاقتصادي حافزي الأول، لذلك بدأت أعيد اكتشاف اهتماماتي الأساسية وشغفي الحقيقي..
ولقد بذلت الكثير من الوقت والجهد للوصول إلى ما أنا عليه الآن، فالماضي لا يرسم المستقبل. وأكبر اعتقاد خاطئ قد تفكر به عند محاولتك لتغيير مهنتك هو الاعتقاد بأنك عالق في مهنتك الحالية لأن تلك المهنة هي كل ما قمت به بحياتك.
ينبغي عليك تغيير عقليتك كي تدرك بأن المسمى الوظيفي هو مجرد جزء بسيط من خبراتك المميزة التي كونت شخصيتك. قم بتحديد الثغرات والخطط للحصول على تلك المهارات الجديدة المطلوبة حالما تستقر في مسيرتك المهنية الجديدة. إن إجراء تغيير جذري هو أمر بغاية الصعوبة، ولكن التمتع بالثقة والمعرفة ستسهل عليك المضي قدماً عندما تزداد الأمور صعوبة.
تحديات اقتصادية
وحول منصبه كقنصل عام لجمهورية الكونغو يقول ستانلي مبتسماً: أثناء فترة وجودي في الكونغو أنشأت شبكة علاقات قوية مع المستثمرين ورجال الأعمال والحكومة أيضاً، كنت معروفاً بالأمانة والشرف واحترام الجميع، وحين استقرت أوضاعي في دبي، قررت العودة لزيارة الكونغو والمحاولة من جديد لبداية أعمال هناك..
وكانت المفاجأة أن طلبت مني الحكومة في الكونغو أن أمثلها دبلوماسياً في الإمارات بعد حصولي على الجنسية إلى جانب جنسيتي الأصلية، نظراً إلى معرفتي الدقيقة بالسياسات الداخلية والخارجية لجمهورية الكونغو هذا إلى جانب إقامتي في الإمارات ومعرفتي الدقيقة أيضاً بالتوجهات والسياسات الاجتماعية والاقتصادية في دولة الإمارات، حيث الاستثمار في الابتكار يخفف الأعباء على الاقتصادات والمجتمعات خاصة فيما يتعلق بتحديات مواجهة الفقر والبطالة وخلق فرص العمل واستيعاب الطاقات الشبابية الابتكارية.
العنصر البشري
يرى ستانلي أن تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، المعتمدة على الابتكار وريادة الأعمال، في دولة الإمارات يسهم في تنمية الاقتصاد الوطني، من خلال اتباع سياسات لخلق فرص العمل، وتنويع مصادر الدخل لتخفيف الأعباء المالية على الموازنة العامة للدولة، ونشر الوعي بمزايا العمل الخاص والتنسيق والترويج للمبادرات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة..
وتقديم دراسات الجدوى الاقتصادية والبيئية للمشروعات وخلق الفرص المربحة والمبتكرة، وتنمية العنصر البشري وتدريبه من خلال المؤسسات الداعمة. مشدداً على الضروري الاهتمام بزيادة القدرات التنافسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، القائمة على الابتكار وريادة الأعمال.
التسامح منظومة من العادات القائمة على تعاليم الإسلام السمحة
الإمارات تدعم الحوار والانفتاح على الآخر
اجتزت الكثير من التحديات لإثبات ذاتي وتحقيق المستحيل
الاختلاف يجب أن يكون دافعاً للحوار والتقارب
الاستثمار في الابتكار يخفف الأعباء على الاقتصادات والمجتمعات