الماضي والحاضر والمستقبل، يذكر صفحات تاريخه الطويل وباعه الممتد إلى بعيد، فجذوره عميقة، وفروعه مثمرة بإنجازات مشهودة ومحمودة في سجل حافل بالعطاء الوطني الذي لا ينضب.. حمل لواء الإمارات في المحافل الخارجية، وجسد صورة تعكس مسيرة طويلة وملحمة فريدة، فقد تولى مناصب عدة على مستوى الدولة، شقت له مختلف الطرق التي تؤدي إلى العمل السياسي والدبلوماسي الأمثل، إلى جانب المناصب التي لا تقل أهمية على المستوى المحلي، وترك فيها بصمات، واعتلى صهوات، وارتفع درجات، حتى أصبح وزيراً للخارجية.. إنه معالي راشد عبد الله النعيمي وزير الخارجية الإماراتية السابق، وابن إمارة عجمان.

عندما اخترنا معاليه شخصية ذات مواصفات جديرة بالاحتفاء، لم نجد من هو أكثر مناسبة وملاءمة للحديث عنه، بحكم الكثير من المشتركات، مثل العمل الدبلوماسي والإعلامي، من إبراهيم سعيد الظاهري المدير العام السابق لدائرة الثقافة والإعلام بعجمان، والدبلوماسي السابق في الجامعة العربية بالقاهرة، والإعلامي صاحب التجربة الممتدة لعقود ثلاثة، الذي يحدثنا عن معالي راشد عبد الله النعيمي في هذه المساحة.

شخصية غنية

الظاهري بدأ حديثه بوصف النعيمي، أنه شخصية غنية ذات ظلال وارفة على كافة مناحي الحياة، وتجربة طويلة في العمل الوطني، واسم بارز في عالم الدبلوماسية، وحياة حافلة بالتجارب والتحديات والصعاب، ونجاحات مبهرة في الدبلوماسية والأدب، ودور مشهود في مرافقة الآباء المؤسسين للدولة، وشاهد عيان على التأسيس والميلاد، وأيضاً شاهد على تحقق ذلك الحضور والثِقَل السياسي لدولة الإمارات في المنطقة والعالم، بحكم منصبه الذي حمل مسؤولياته لنحو ثلاثين سنة، كانت خلالها المنطقة العربية كلها، وما زالت، تمر بأحداث، وتلوي في أحشائها حروباً وصراعات، وتشهد من التطورّات ما يستدعي أن يكون التوازن حقيقة ملموسة.

وأضاف: راشد عبد الله هو صاحب (شاهندة) بداية الإرسال الروائي في الإمارات وفاتحته، وأول من استن هذه السنة الأدبية الجميلة، وغرس هذه البذرة الإبداعية الراقية في ربوع الإمارات، دون سلف يحتذي، أو معطف أب يأتزر به. وهو شخصية ذات إسهام كبير في ميادين العمل الخيري والإنساني. وأيضاً من الشخصيات الفريدة في تحليلاته السياسية والثقافية، كما كتب مرات عدة في الصحافة. وألف كتابين رائدين ومؤثرين في حياتنا. وما زال الرجل يعطي عصارة خبرته الواسعة للأجيال القادمة.

تخطيط دقيق

وأوضح الظاهرب أن النعيمي يرى دائماً أن الشيخ زايد قائد بطموحات تتجاوز الإمارات، وحتى الوطن العربي، يفكر في مصلحة شعبه، ويؤمن إيماناً بالغاً بالتخطيط الدقيق منذ أن كان بالمنطقة الشرقية «العين» في مختلف المجالات (العمران والتعليم والصحة والطرق والموانئ والمطارات والنهضة بشكل عام). وظل يرى أن في وحدة الإمارات تحدياً للعقبات التي قد تفرض على أي إمارة من الخارج، خصوصاً بعد الانسحاب البريطاني من الخليج.

وقد كانت لراشد عبد الله النعيمي إسهامات طيبة في عملية صنع القرار في فترة إنشاء الاتحاد المهمة والحرجة، في ظل الظروف الصعبة والتحديات التي واجهت القادة المؤسسين إبان تلك الفترة، وكيف تجاوزوها بحكمتهم، وإصرارهم على قيام دولة الاتحاد، ودوره في حمل هذا المشروع مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والقادة المؤسسين لإقناع العالم به، ثم دوره البارز والمهم كوزير خارجية لدولة الإمارات بعد قيام الاتحاد. وكان يعمل مع الشيخ زايد، بثقة مطلقة، فمن دون تلك الثقة لم يكن بالإمكان اتخاذ قرارات صعبة في مواقف أصعب، كما كان بينه وبين زايد، رحمه الله، انسجام وتوارد خواطر، أسسا لإدارة ناجحة للسياسة الخارجية.

ملتقى «شاهندة»

وفي سياق مختلف، أكد الظاهري أن ملتقى «شاهندة للإبداع الروائي»، هو فكرة خالصة لراشد النعيمي، مفادها تأسيس التجارب الإبداعية الأدبية والفنية، وإخضاعها لرؤى نقدية مختلفة ومعمقة للخروج منها بتصورات يستفاد منها في إثراء التجارب الجديدة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، إحياء أو إلقاء الضوء من جديد على أول رواية إماراتية كتبها راشد عبد الله النعيمي وزير خارجية دولة الإمارات السابق. ولا أجد أفضل من الاستشهاد بما كتبه مؤلف رواية «شاهندة» في عنوانها الفرعي الشارح لتوجهها، الحديث هنا للظاهري، حيث سجل فيها الروائي النعيمي قصته التي قال عنها: «قصتي هذه كلمات اقتبستها من روح الراحل المناضل الذي غير الحياة على ضفاف الخليج بقوة إيمانه، وفضاء عزيمته، والذي أراد أن يبدل حياة الناس من شقاء إلى رخاء، فكان له ما أراد، ووضع أسس العمل، وأرسى قواعد الرفاهية».

قطرة من بحر

وأهدى راشد عبد الله النعيمي روايته بهذه الكلمات: «إلى معلمي الحكيم، ومرشدي الكريم.. زايد بن سلطان آل نهيان.. أهديها قطرة من بحره، وومضة من شمس قلبه المضيء في دولة الإمارات العربية المتحدة». وقال إبراهيم الظاهري: عبّر راشد عبد الله النعيمي عن مضمون روايته الأولى التي شكلت فتحاً جديداً للرواية في الإمارات، فقال: «قصتي هذه.. تنبع من واقع عشناه.. عشناه بين حبات الرمل المتحركة.. في حياة جافة قاسية، أكتبها لهذا الجيل الذي يبني بقوة سواعده بلداً عظيماً، فتمده العزيمة الصادقة والأمل الطامح، أكتبها للأجيال القادمة، لتكون لهم نافذة يطلون منها على حياة آبائهم وأجدادهم، فتملؤهم بالعزة والثقة، أكتبها للقادمين إلينا.. للعابرين على ضفاف خليجنا، لتكون لهم دليلاً هادياً ورفيقاً معيناً».

الناقد المغربي نجيب العوفي، قال في «شاهندة»: كانت شاهدة على مرحلة ماضية قاسية من تاريخ الإمارات، تجلت في مصاعب الغوص على اللؤلؤ وصيد السمك والرعي وبعض الزراعة والتجارة. ورؤيتي الخاصة أن (شاهندة) رواية رائدة مهدت لفن إبداعي جديد، لم يكن له أثر ولا خبر في ربوع الإمارات، إن لم نقل في ربوع الخليج عامة.. و(شاهندة) التي صدرت عام 1971، تستحق صفة الرِّيادة الروائيّة.

أول مؤلف

وأشار الظاهري إلى أن رواية «شاهندة»، حظيت ولطوال أربعين عاماً، بالكثير من الدراسات الإماراتية والعربية والعالمية بالنقد والتحليل. وكذلك يُحفظ لراشد عبد الله أنه أول من ألّف كتاباً عن الاتحاد عام 1972، بعنوان: (زايد.. من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد).

وتطرق إلى أن صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، كان قد كرم معالي راشد عبد الله النعيمي، تقديراً لعطائه الأدبي وجهوده الدبلوماسية والأدبية، باعتباره من رواد الحركة الأدبية في الدولة. وقلده وسام عجمان الذهبي، أعلى وسام بحكومة عجمان، لافتاً إلى أن ما تم هو احتفاء مستحق بالثقافة الوطنية الإماراتية، التي هي عنوان هويتنا، ونبع خصوصيتنا، وموضع اعتزازنا. وذكر الظاهري أن النعيمي اعترف بأن العمل السياسي حرمه متعة الكتابة لسنوات طويلة، فهو يأمل في مقبل الأيام، كتابة أعمال محتواها الكلام المباح، لأن ليس كل ما يعرفه المرء في عالم السياسة، يبقى مباحاً للنشر». أو كما قال.

مناصب في الخارجية

قبل تسلمه منصب وزارة الخارجية، قُلِّد النعيمي منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية خلال الفترة 1977-1990. وكان قد كلف بالقيام بأعمال وكيل وزارة الخارجية عام 1976. وقُلد قبل ذلك الكثير من المناصب في وزارة الخارجية، منها: مدير الإدارة العامة لشؤون السياسة في الوزارة عام 1975، وكان قد عُين سفيراً عام 1974، وشغل منصب وكيل وزارة الإعلام والسياحة عام 1972، وشغل قبلها مدير دائرة الإعلام والسياحة في إمارة أبو ظبي عام 1971. فعل الخير مبدأ في حياته.. وآثاره شاهدة عليه

لا يتردد راشد عبد الله مطلقاً في المشاركة في أي عمل خيري أو إنساني، سواء كان رسمياً، أو عبر أفراد، فمبدأه في الحياة، كما قال إبراهيم الظاهري «اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».

وأضاف: كثيراً ما توقفت وتأملت هذا الشخصية التي حافظت على علاقة وثيقة مع العطاء الإنساني، رغم المشاغل الدبلوماسية، فاستحق جائزة الشارقة للعمل التطوعي وغيرها، لافتاً إلى أن من أهم أعماله الخيرية التي تذكر في هذا المقام، تشييد مركز راشد لعلاج السكري والأبحاث بتبرع سخي من معاليه، كأول مركز متخصص لعلاج السكري في دولة الإمارات عام 2010 م.

وأردف ذلك بتأسيس مؤسسة راشد بن عبد الله النعيمي الخيرية، وقد صدر في تأسيس هذه المؤسسة مرسوم أميري من صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان. مشوار أكاديمي

وُلد معالي راشد عبد الله النعيمي في إمارة عجمان في أربعينيات القرن الماضي، ونشأ فيها. وحصل على شهادة الثانوية من دولة قطر، ثم أكمل دراسته الجامعية، وحصل على بكالوريوس في هندسة البترول من جامعة القاهرة عام 1967، بالإضافة إلى دراسات في اقتصاد البترول. ومما يذكر من مسيرته المضيئة، أنه شغل منصب وزير الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة 1990 ــ 2005، رغم أنه كان تدرج قبل عمله في وزارة الخارجية، في عدد من الوظائف والمناصب.