من الحيوانات التي ذُكرت في القرآن الكريم «البغل»، وهو حيوان أليف هجين، ينتج عن تزاوج الفرس (أنثى الخيل) مع (ذكر الحمار)، وله صفات وراثية ومميزات من الحمير والخيل معاً، فللبغل صبر الحمار وقوة الفرس، ويمتاز بقوة البصر، وله مقاومة عالية للأمراض، والبغال معمرة وعقيمة لا يمكنها التناسل.

قوة وصلابة

ويتسم البغل بالقوة والصلابة وشدة التحمل، ولذلك فهو يقوم بأعمال شاقة يعجز عنها الحصان، ويطلق عليه أبو الأثقال، وأبو الحرون، والكودن، وأبو قموص، وتسمى أنثاه البغلة والسفواء، أما صوته فيسمى السحال والسّحيل والشّحاح والشّحيج، ويضرب المثل بالبغل والبغلة في العقر والعقم، كما يضرب المثل لكثرة العيوب ببغلة أبي دلامة التي ذمها وعدّد عيوبها شعراً، فيقال أعقر من بغلة، وأعقم من بغلة، وما هو إلا كبغلة أبي دلامة.

ومن الأمثال أيضاً: قيل للبغل: من أبوك؟ قال: الحصان خالي!، وهو يضرب للمخلط أو لمن يفخر بشيء لغيره.

عنيد كالبغل

وتتصف البغال بالعناد فيقال: «عنيد كالبغل». وعندما يقسو عليها سائسها وهي سائرة في أعالي الجبال ترمي بحملها وتنتحر رامية بنفسها من فوق الجبل، وقد ذكر «البغل» في موضع واحد في سورة النحل بصيغة الجمع (البغال)، وذكر في معرض ذكر الله تعالى لنعمه على الإنسان، قال تعالى في سورة النحل: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ».

فخلق الله تعالى الخيل والبغال والحمير، لكي تكون وسيلة من وسائل الركوب والنقل للإنسان ولمتاعه وتجارته، وذللها لراحته ومتعته، ولتكون زينة له وجمالاً ومنظراً حسناً، ليزداد الإنسان إيماناً وشكراً لله تعالى.

الجمال والأناقة

وقوله تعالى: (وَزِينَةً) في هذه الآية، له دلالة خاصة عن موقع الزينة من الإنسان، والمفهوم الصحيح لذلك، فلا زال الإنسان يحب الزينة والرفاهية والجمال والأناقة، ولذلك أثره على حالته النفسية وحياته الاجتماعية، والإسلام لا يمنع من الزينة، فقد ذكر صلى الله عليه وآله وسلم، أن الخيل معقود بنواصيها الخير، وفي الوقت نفسه فإن الخروج عن حد الاعتدال في الزينة والتجمل والأناقة، يؤدي إلى الأمراض النفسية والتعالي والكبر، وهذا ينطبق أيضاً على أصحاب السيارات والمركبات الفخمة التي تتخذ للجمال والزينة، فاتخاذها للركوب والزينة ليس به بأس، ويجب على الإنسان أن يتفهم ما فيها من نعمة الركوب والزينة والجمال والرفاهية، وألا يتعدى حد الاعتدال إلى المفاخرة والرياء والكبر والاستعلاء والأمراض النفسية.

الطرق الوعرة

وبالرغم ممّا وصل إِليه التقدم التقني في مدنية الإِنسان وكثرة وسائل النقل الحديثة، إِلاّ أن سلوك كثير من الطرق الوعرة ما زال منحصراً بالدواب، ويعتبر (البغل) أفضل وسيلة نقل في تلك الطرق الوعرة والجبال، ولذلك فإن للبغال استخدامات خاصة في الجيوش فلا يخلو جيش من سرية جبلية للبغال تقوم بمساعدة القوات المسلحة في حمل الأحمال الثقيلة والعتاد في المناطق الجبلية ذات الطرق الوعرة غير السالكة، والتي تصعب على أحدث وسائل النقل العسكرية الحديثة.

وقوله تعالى في ختام الآية الكريمة: «وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، إشارة إلى مخلوقات أخرى غير هذه الأصناف الثلاثة (الخيل والبغال والحمير)، ستخلق في المستقبل ليستعملها الإِنسان، تقوم بهاتين الوظيفتين: الركوب والزينة، كما ذكر بعض قدماء المفسرين، وبعض علماء هذا العصر جعلوها من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فهي إشارة واضحة للاختراعات الحديثة من وسائل النقل والمواصلات، كالدراجات والسيارات والطائرات وغيرها.

مواد أولية

ووجه التعبير بلفظة «يخلق» بأنّ الإِنسان في اختراعه لتلك الوسائل ليس هو الخالق لها، بل إنّ المواد الأولية اللازمة للاختراعات، مخلوقة، وما على الإِنسان إِلاّ أنْ يستعمل ما وهبه اللّه من عقل وقدرة على الاختراع، وما أودع فيه من استعداد وقابلية بتشكيل وتركيب وتصنيع تلك المواد على هيئة يمكن من خلالها أن تعطي شيئاً آخر يفيد الإِنسان.

دلدل وفضة

استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم البغل واقتناه، فكان له صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء أهداها له ملك أيلة، وكانت له بغلة شهباء أهداها له المقوقس، وكان اسمها (دلدل)، وكانت تحته في حنين بغلة اسمها (فضة)، وعن عمرو بن الحارث قال: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً تركها صدقة.

وقد اختلف العلماء في حكم أكل لحم البغال، والراجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من حرمة أكل لحمها، ويدل على هذا عموم ما ورد عند أبي داود (3789) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: «ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل».