ورد ذكر الطير الأبابيل في القرآن الكريم مرة واحدة، وذلك في سياق الحديث عن قصة أصحاب الفيل، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ*تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل: 1-5].

والقصة كما ترويها كتب السير باختصار: أن أبرهة الأشرم وهو قائد جيش الحبشة من قبل ملكها النجاشي قد بنى كنيسة عظيمة سمّاها (القلّيس)، ليصرف إليها حج العرب، فقام رجل من كنانة وتغوط فيها، فأغضبه ذلك، وأقسم ليهدمن الكعبة، وجهز جيشا عظيما مصحوبا بفيلة كثيرة، وسار حتى وصل إلى (المغمّس) موضع قرب مكة، فأرسل إلى أهل مكة يخبرهم أنه لم يأت لحربهم، وإنما جاء لهدم الكعبة، فاستعظموا الأمر، وفزعوا له، وأرادوا محاربته، فرأوا أنه لا طاقة لهم بأبرهة وجنوده، فتركوا ذلك.

نهب الأموال

ولما اقترب الجيش من مكة أمر أبرهة بنهب الأموال، وكان فيها إبل لعبد المطلب بن هاشم جدّ النّبي، فاستاقها الجند، وكان عددها مئتي بعير، وبعث أبرهة رسولا إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش وأن يخبرهم أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدّوه عن البيت، فجاء الرسول فدلوه على عبد المطلب بن هاشم، وبلّغه قول أبرهة، فقال له عبد المطلب: واللَّه ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت اللَّه الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه، فواللَّه ما عندنا دفع عنه.

ثم سار معه إلى أبرهة، فلما رآه أبرهة أجلّه، وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما، فنزل أبرهة عن سريره، وأجلسه معه على البساط، وسأله عن حاجته، فقال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مئتي بعير أصابها لي، فتعجب أبرهة، وقال: أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه؟! فقال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل، وإن للبيت ربّا سيمنعه عنك، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك، ثم رجع وأتى البيت ومعه نفر من قريش، وأخذوا بحلقة باب الكعبة يدعون اللَّه، ويستنصرونه على أبرهة وجنده.

ثم زحف الجيش نحو مكة، وكان معه فيل عظيم اسمه (محمود)، كلما وجهوه إلى جهة الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى جهة أخرى هرول.

حجارة من طين

ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده، فأرسل عليهم جماعات من الطير ترميهم بحجارة من طين وحجر، فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة كما يحكي عنهم القرآن الكريم، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، حتى قدموا به صنعاء، فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات.

وكان لهذه الهزيمة أثر كبير بين العرب، فأعظموا قريشا، وقالوا: هم أهل اللَّه، قاتل اللَّه عنهم، وكفاهم العدو، وازدادوا تعظيما للبيت، وإيمانا بمكانه عنه اللَّه.

وقد يتبادر للأذهان أن كلمة (أبابيل) تشير إلى اسم نوع من أنواع الطيور. وهذا بعيد عن المعنى لغة وحقيقة، فلم تُعرف طير بهذا الاسم، ولم تذكر كتب السير نوعا معينا من الطير، والثابت في كتب اللغة والتفسير أن كلمة (أبابيل) تعني جماعات متفرقة ومتتابعة.

وقد اختلف المفسرون في تحديد أشكال هذه الجماعات من الطير، وأحجامها.

وصف اسطوري

ذهب بعضهم إلى المبالغة والتهويل في وصفها، فقالوا، كانت طيرا سودا، لها خراطيم كخراطيم الفيل، وأكف كأكف الكلاب، وأنها كانت تعشش ما بين السماء والأرض، وقيل: كانت طيرا خضرا، لها رؤوس كرؤوس السباع، وأنها جاءت من قبل البحر، واستندوا إلى بعض الروايات الضعيفة، مما دفع بعضهم إلى التمادي في الوصف الأسطوري فقالوا:

هي أجسام فضائية طائرة تحمل أسلحة نووية متطورة لها تأثيرها الحراري والإشعاعي على الأجسام الحية، واستدلوا بأن الحجارة من سجيل أي من الفضاء الخارجي، وأنها كانت تخرق الرؤوس والأجسام وتمزق الأجساد، وهذا استرسال في الخيال العلمي، وتكلف لا دليل عليه.

القدرة الإلهية

وبالمقابل ذهب آخرون إلى تضييق نطاق الخوارق والإعجاز، وتفسير الحادثة على أساس السنن الكونية المألوفة، فقالوا: إن الطير قد تكون هي الذباب والبعوض التي تحمل الميكروبات، فالطير هو كل ما يطير، وإن هلاك الجيش كان بسبب تفشي وباء كمرض الجدري أو غيره.

وهذا بعيد عن الصواب، لأن سياق الحادثة في القرآن جاء على سبيل الإعجاز والإشهاد على بيان القدرة الإلهية، وعام الفيل لم يكن بعيدا عن تاريخ نزول هذه السورة المباركة إلا قرابة ثلاثة وخمسين عاماً، فحين نزول هذه السورة كان الكثير من الناس الذين شاهدوا حادثة الفيل أحياءً يُرزقون، فلو كانت هزيمة أصحاب الفيل بسبب الجدري أو الجراثيم التي لا تُرى، لاعترضوا على القرآن بأنهم لم يشاهدوا يومها طيرا أبداً، فكيف يقول: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا﴾ وخصوصا أن القرآن كان يتحدى العرب، وأنّ الكثيرين منهم كانوا ينتظرون عثرة أو غلطة فيه حتى يردوا التحدي وينكروا صدق الرسالة، وقد جاء السياق على سبيل الاستشهاد بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ...﴾.

والظاهر أن الأمر قد جرى على أساس الخارقة غير المعهودة، لأنه أعظم دلالة وأكبر حقيقة، ولأن جو السورة وملابسات الحادث تدل على أن اللَّه أراد بهذا الحادث تعظيم بيته، وإعلاء شأنه، وتهيئة أمة العرب لحمل رسالة الإسلام إلى العالم كله، فالفيل رمزٌ لأقوى سلاحٍ عرفته العرب وقتها، ولذا جاءتْ سورة الفيل لتبيِّنَ للمسلمين أنَّه مهما قوي أعداؤهم في السِّلاح، فإنَّ الله رادٌّ كيدَهم عليهم بأسلحة تَصغُر في نظر الكثير منَّا، فجنودُ الله تعالى كلُّ ما خَلَقه من صغير وكبير، وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر.